منتـــــــدى التعــــــليم الثــــــــانوي بـــــسفـــــيزف



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتـــــــدى التعــــــليم الثــــــــانوي بـــــسفـــــيزف

منتـــــــدى التعــــــليم الثــــــــانوي بـــــسفـــــيزف

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتـــــــدى التعــــــليم الثــــــــانوي بـــــسفـــــيزف

منـــــتدى خــــاص بالتعــــــليم الثــــــــانوي

المواضيع الأخيرة

» تخصص محروقات وكيمياء
الادب والثقافة في العراق Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 07 2015, 11:28 من طرف مهاجي30

» الفرض الاول علمي في مادة الأدب العربي
الادب والثقافة في العراق Icon_minitimeالسبت نوفمبر 22 2014, 14:57 من طرف slim2011

» الفرض الاول ادب عربي شعبة ادب و فلسفة
الادب والثقافة في العراق Icon_minitimeالسبت أكتوبر 18 2014, 06:35 من طرف عبد الحفيظ10

» دروس الاعلام الآلي كاملة
الادب والثقافة في العراق Icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 23 2014, 09:24 من طرف mohamed.ben

» دروس في الهندسة الميكانيكية
الادب والثقافة في العراق Icon_minitimeالخميس سبتمبر 18 2014, 04:37 من طرف nabil64

» وثائق هامة في مادة الفيزياء
الادب والثقافة في العراق Icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 10 2014, 21:12 من طرف sabah

» طلب مساعدة من سيادتكم الرجاء الدخول
الادب والثقافة في العراق Icon_minitimeالجمعة سبتمبر 05 2014, 19:57 من طرف amina

» مذكرات الأدب العربي شعبة آداب و فلسفة نهائي
الادب والثقافة في العراق Icon_minitimeالجمعة سبتمبر 05 2014, 19:53 من طرف amina

» مذكراث السنة الثالثة ثانوي للغة العربية شعبة ادب
الادب والثقافة في العراق Icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 19 2014, 07:29 من طرف walid saad saoud

» les fiches de 3 as* projet I**
الادب والثقافة في العراق Icon_minitimeالجمعة يوليو 11 2014, 11:51 من طرف belaid11

مكتبة الصور


الادب والثقافة في العراق Empty

    الادب والثقافة في العراق

    مهاجي30
    مهاجي30
    عضو مجتهد
    عضو مجتهد


    الجنس : ذكر عدد المساهمات : 697
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : http://elmcid.moontada.net/

    الادب والثقافة في العراق Empty الادب والثقافة في العراق

    مُساهمة من طرف مهاجي30 الإثنين سبتمبر 12 2011, 18:03



    مكتبات بغداد المحترقة منذ العباسيين حتى شارع المتنبي
    أول محنة من محن الوراقة ببغداد حصلت إبان الحرب بين الأخوين الأمين والمأمون

    الادب والثقافة في العراق >[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    شارع المتنبي قبل الحادث و بعده

    دعونا نتذكر ثقافة الوراقة ببغداد، وهو أعمق نعياً ورثاء لشارعها، ومعلوم أن في اللجوء إلى التاريخ، مع سلبية النوح على الأطلال، قد ينفع في مجابهة الانكسار، لعل التجارب تتكرر، والتفاؤل بالماضي، إزاء واقع الحال، أهون من اللاتفاؤل. يذكر النديم (ت 388 وقيل 438هـ والأول أرجح) سوق الوراقين في جانب الرصافة من بغداد. قال في ترجمة صاحب «كتاب بغداد» أحمد بن أبي طاهر المعروف بابن طيفور (ت 280هـ) «جلس في سوق الوراقين في الجانب الشرقي» (الفهرست).

    وجاء في «دليل خارطة بغداد» لأحمد سوسه، ومصطفى جواد «كانت فيها (بغداد) أكثر من مائة حانوت للوراقين». ولعلها السوق المشتبكة مع أسواق البضاعة الأخرى، والممتدة اليوم في سوق الشورجة حتى سوق السراي وشارع المتنبي. ويذكر النديم أيضاً أول محنة من محن الوراقة ببغداد إبان الحرب بين الأخوين الأمين والمأمون، عندما نُهبت الدواوين: «كانت تمحى ويُكتب فيها» (الفهرست). وبعدها أُحرقت على مرأى من الناس، أكثر من مرة، كُتب شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460)، وذلك حال دخول السلاجقة بغداد، فاضطر إلى الإقامة بالنجف، وكان ذلك سبباً لتأسيس الحوزة الشيعية عام 448هـ. وحسب ابن الأثير أنه في سنة 510هـ أُحرقت مكتبة المدرسة النظامية ببغداد، لكن الكُتب نجت بأعجوبة. قال: «احترقت خزانة كتب النظامية، وسلمت الكتب. لأن الفقهاء لما أحسوا بنار نقلوها» (المكتبات في الإسلام عن الكامل في التاريخ).

    وبعدها كانت كارثة الكُتب إبان الغزو المغولي (656هـ). إلا أن المؤرخين اختلفوا في تقديراتهم، بين مغالٍ قال جرت دجلة بلونين: أحمر من كثرة الدماء وأسود من كثرة المداد. ومن دون ذكر أي رأي آخر ظل المعاصرون يرددون تلك المقولة، مع أنها ليست ثابتة ولا مؤكدة في التاريخ. وجاء في رواية ابن تغرى بردى (ت 873هـ)، وهو من المؤرخين المتأخرين بأكثر من قرنين على الغزو المغولي: «خُربت بغداد الخراب العظيم، وأُحرقت كتب العلم، التي كان بها من سائر العلوم والفنون، التي ما كانت في الدنيا. قيل: إنهم بنوا منها جسراً من الطين والماء عوضاً عن الآجر» (النجوم الزاهرة).

    وقد سبقه ابن خلدون (ت 808هـ)، وهو من المتأخرين أيضاً، إلى القول: «ألقيت كُتب العلم، التي كانت بخزائنهم في دجلة، وكانت شيئاً لا يعبر عنه». ويصعب قبول رواية تغير لون ماء دجلة، ولا رواية صناعة جسر من الكُتب. وخلاف ذلك يذكر الفقيه والمؤرخ الحنبلي ابن الفوطي (ت 723هـ) في معجمه «تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب»، أن عالم الفلك الخواجة نصير الدين الطوسي (ت 673هـ)، الذي كان أحد المرافقين لهولاكو مع فقهاء وعلماء آخرين، تكلف بحماية العلماء وحماية المكتبات، فكلف بدوره شارح نهج البلاغة الشافعي ابن أبي الحديد (ت 656هـ) وآخرين بإعادة الكُتب المنهوبة من الخزائن، والتي اشتراها أهل الحلة والكوفة أيام حصار بغداد، قبيل الغزو.

    وورد في «الحوادث الجامعة» لمؤلف معاصر للحدث: «كان أهل الحلة والكوفة والمسيب يجلبون إلى بغداد الأطعمة فانتفع الناس بذلك، وكانوا يبتاعون بأثمانها الكتب النفيسة وصفر المطعم». أما كُتب المدرسة المستنصرية فلم يصبها أذى، وظلت المدرسة عاملة حتى القرن العاشر الهجري. إضافة إلى مكتبة المستنصرية (افتتحت العام 631هـ) كان قبيل الغزو المغولي للخواص مكتباتهم، وفي مقدمتها تأتي دار كتب الخليفة المستعصم بالله (قُتل 656هـ). قال أحد الشعراء في يوم افتتاحها: «أنشأ الخليفة للعلوم خزانة.. سارت بسيرة فضله أخبارها». وقيل «شيد (المستعصم) دارين للكتب وراءَها (سوق الرياحين)، وضع فيهما كتبه، ولم يصبها ضرر في الحصار المغولي» (دليل خارطة بغداد).

    ومن طريف ما يذكر خازن ونساخ مكتبة المستعصم بالله من الأخير دخل يوماً إلى المكتبة على عادته، فشاهد فتى من الخدم نائماً، وسط هدوء الكتب، متلففاً بالملحفة الخاصة بمقعد الخليفة، فلما شاهده أخذ يتحرك بهدوء حتى لا يوقظه ويفزعه. قال الخازن: «نظرت فإذا هو الخليفة، وهو يستدعيني بالإشارة، ويخفف وطأه فقمت إليه منزعجاً وقبلت الأرض. فقال لي: هذا الخويدم، الذي قد نام حتى تلفف في هذه الملحفة، وصارت رجلاه على المسند متى هجمتُ عليه حتى يستيقظ ويعلم أني شاهدته على هذه الحال تنفطر مرارته من الخوف، فأيقظه أنت برفق فإني سأخرج إلى البستان ثم أعود» (ابن الطقطقي، الفخري في الآداب السلطانية). ويبدو أن المستعصم بالله كان يقضي جل وقته في خزانة الكُتب، ذلك من الأخبار التي ينقلها المؤرخون حول تواجده فيها، وتسيير الأمور السومية منها.

    وإثر مكتبة الخليفة أنشأ وزيره مؤيد الدين بن العلقمي (ت 656هـ) خزانة كتب عظيمة. قال فيها شقيق ابن أبي الحديد: «رأيت الخزانة قد زُينت.. بكتب لها المنظر الهائل» (الحوادث الجامعة). عموماً، ما أُتلف من كتب أثناء الغزو المغولي جاء في حوادث الحرب، وسقوط الدولة، وانعدام الحراسة، مثلما هو الحال يوم التاسع من أبريل/ نيسان/ 2003، إلا أنه أُسترجع ما أُسترجع، ونُقل العديد منها إلى منطقة مراغة، حيث الرصد الفلكي هناك. ولم يحدث لخزائن الكُتب من احراق وتلف متعمد مثلما حدث في سوق المتنبي مؤخراً.

    وربما يفاجأ مثقفو العالم، وهم يشاهدون النار تأكل الكتب والتراث الثقافي والعلمي والأدبي العراقي، إذا علموا أن بين أروقة المدرسة المستنصرية ومكتبها اخترعت قراءة وكتابة مكفوفي البصر، أي سبقت باريس وعالمها (بريل) بسبعمائة عاماً، والمخترع هو مدرس المدرسة والمقيم فيها الكفيف زَين الدين علي بن أحمد الآمدي (ت 714هـ). كان ذلك في زمن السلطان المغولي غازان خان (ت). وطريقته نقلها المحقق ميخائيل عواد في كتابه «صور مشرقة من حضارة بغداد»، وصاحب «الأعلام» خير الدين الزركلي من كتاب «نَكت الِهميان في نُكت العميان»: كان إذا اشترى كتاباً أخذ قطعة ورق خفيفة، وفتل منها فتيلة صغيرة، وجعلها حرفاً على حساب الحروف، ثم يقرأها باللمس.

    إلا أن سوق الوراقة، التي ذكرها النديم، والمكتبات التي ظلت قائمة بعد الغزو المغولي، لم يبق منها شيء في العهد العثماني. إذ لم يجد الرحالة نيبور، الذي زار بغداد في القرن السادس عشر الميلادي، «سوقاً للكُتب»، ويقصد بيع المخطوطات. ولا ريب أن العديد من المخطوطات، مثلما الآثار الإسلامية، أخذت طريقها إلى استانبول، حيث عُمرت على حساب مدن أقاليم الإمبراطورية العثمانية الأخرى. ولم ينشأ سوق الوراقين مجدداً إلا بداية القرن العشرين.

    ووجود الكتاب المطبوع ليس بالجديد ببغداد، رغم محدوديته، فقد نشر أيام الوالي المملوكي داود باشا (1830) كتاب «دوحة الوزراء»، من مطبعة «دار السلام»، لرسول الكركوكلي. كذلك بدأت مطبعة الموصل الحجرية تطبع الكتب منذ 1856، وذلك بجهود الآباء الدوميكان. ولا ندري، إن كان سوق السراي هو وريث سوق الوراقين المذكور سلفاً، إذ تأسست فيه أوائل العشرينات مكتبات قليلة، مثل المكتبة «العصرية»، ومكتبة «النعمان»، والمكتبة «الحيدرية»، والمكتبة «العربية»، ومكتبة عبد الحميد زاهد وغيرها (عباس البغدادي، بغداد في العشرينات).

    ثم تأسست في الثلاثينات مكتبة «المثنى»، التي يعد صاحبها الوراق قاسم محمد الرجب (ت 1974) كأحد أهم تجار وصُناع الكتاب ببغداد، وله مجلس أدبي في باحة المكتبة، ظل مفتوحاً حتى وفاته وقد أسس مكتبته بدكان صغير في سوق السراي، وظل يتنقل بها من دكان إلى آخر حتى «اشترى بيت الدكتور صائب شوكت فحوله إلى مكتبة المثنى في شارع المتنبي» (المطبعي، موسوعة أعلام العراق).

    وكان للمثنى، التي تعرضت إلى حريق مدمر في نهاية التسعينات من القرن المنصرم، فرع بساحة التحرير، من الباب الشرقي، وقد فهرسها صاحبها بستة مجلدات، وصدر مجلة «المكتبة» الخاصة بعالم الكتب.

    ليس لديَّ ما يفيد متى تحولت محلة الأكمكخانة، وتعني محل صناعة الخبز أو المخبز العام، إلى شارع المتنبي حيث صناعة الكتاب وبيعه. وكانت المحلة تعرف بالدنكجية (المميز، بغداد كما عرفتها) أي أصحاب مطاحن الحبوب، وهناك كان المخبز المركزي، حتى أواخر العهد العثماني. وما شارع المتنبي إلا فرع من شارع الرشيد، تحول إلى دكاكين لبيع الكتب، على الرصيف. وبطبيعة الحال، لا يألف هذا المكان غير الكاتب والمؤلف والوراق والقارئ، بمعنى أن مكان الثقافة العراقية الأخير، بعد أن حوصرت بهذا الحصار الخانق.

    كان الضحايا من باعة الكتب أكثر من أربعين، ومن الكتب لا يُعد ولا يُحصى. ويبدو من طبيعة الانفجار والحريق، ومن الآثار المدمرة أن النية مبيتة لإزالة هذا المكان من الوجود، بعد أن أخذ يوفر الكتب ليس على هوى الجماعات المتسيدة بالسري وبالعلن. فبعد سقوط النظام، وإلغاء القوانين والتعليمات المقيدة للكتب توافر في شارع المتنبي الأضداد من العناوين، تعرض جنباً إلى جنب.

    كانت الندوة الشعرية، ومذاكرة الشعراء والأدباء، لمكانهم العاري من الحماية، تشبه كثيراً فواجع البراكين، وما تخلفه من حطام. لذا كانت منصة المراثي، التي ألقاها الشعراء إثر الكارثة، مزيجاً من الرماد والدم، نعوا فيها الوراقين، ونادل مقهى الشابندر وجلاسها، ذلك المقهى الذي نشأ في ركن الشارع، وكان محلاً لمراجعي دوائر سراي الحكومة، ثم تحول إلى مكان لراحة المتجولين في شارع الثقافة، وبين بسطات الكتب، الأصلية منها والمستنسخة. لم يبق من المكان غير ذكرى، ورماد لا بد أن يخرج منه طائر الفينيق، مكان تدرج من صناعة الخبز إلى صناعة الثقافة.

    ان (شارع المتنبي) او ما يطلق عليه بسوق الكتب يعد من أقدم شوارع مدينة بغداد وأحد أبرز معالمها، ويتصل به سوق السراي التراثي المتخصص أيضا ببيع الكتب والقرطاسية، وعلى مقربة منه تقع منطقة (القشلة) التي كانت مقرا للحكومة العراقية في العهدين العثماني والملكي، وشهدت تتويج الملك فيصل الأول سنة 1921، وتحتفظ المنطقة التي يقع فيها الشارع بمعمارها القديم، وهي تمثل شاهدا ومعلما تاريخيا لمدينة بغداد القديمة، فيما يمثل شارع المتنبي فيها رئة تنفس الثقافة العراقية، وتعد مقاهيه وأشهرها (مقهى الشاهبندر) ملتقى الأدباء والمثقفين والكتاب والفنانين.

    ويمتد تاريخ شارع المتنبي الى العصر العباسي اذ كان يسمى بدرب زاخا وهي مفردة آرامية، وكان مشهورا بالمؤسسات الثقافية والدينية ومنها مدرسة الامير سعادة الرسائلي، ورباط ارجوان (أي تكية ارجوان)، وفي العهد العثماني سمي بشارع (الاكمك خانة) أي المخبز العسكري.

    ومن ابرز الذين عملوا في شارع المتنبي عبد الرحمن افندي الذي كان يبيع الكتب بالمزاد عام 1890، وفي عام 1900 كان الملا خضير يمارس عملية بيع الكتب والمجلات في الشارع، وبعد وفاته جاء ابنه عبد الكريم، الذي اسس مكتبة المشرق، فيما أسس نعمان الاعظمي عام 1905 المكتبة العربية، وكذلك مطبعة كبيرة.

    ومع بدايات الحرب العالمية الاولى اسس محمود حلمي عام 1914 المكتبة العصرية، فيما اسس عام 1920 شمس الدين الحيدري المكتبة الأهلية، وبدأت في حينها بنشر كتب مؤسسة فرانكلين. وفي عام 1932 اسس حسين الفلفلي مكتبة الزوراء، التي استمر احفاده في مزاولة مهنتهم فيها، كما اسس قاسم محمد الرجب مكتبة المثنى، وسميت بالمثنى تيمنا بنادي المثنى القومي، وفي ذلك الوقت اتفق مع دور النشر المصرية لتوريد نتاجاتها من الكتب المختلفة، ومن اعمالها ايضا اعادة طباعة قصة الف ليلة وليلة.

    وتجدر الاشارة الى ان هنالك العشرات من الذين أسهموا في نشر الثقافة في شارع المتنبي منهم محمد جواد حيدر، صاحب مكتبة المعارف، وعلي الخاقاني، صاحب مكتبة النجاح، وعبد الرحمن حسن حياوي، صاحب مكتبة النهضة، فيما كان عبد الحميد الزاهد احد رجالات ثورة العشرين، من الذين يبيعون الكتب بالمزاد في شارع المتنبي خلال تلك الفترة.
    مهاجي30
    مهاجي30
    عضو مجتهد
    عضو مجتهد


    الجنس : ذكر عدد المساهمات : 697
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : http://elmcid.moontada.net/

    الادب والثقافة في العراق Empty رد: الادب والثقافة في العراق

    مُساهمة من طرف مهاجي30 الإثنين سبتمبر 12 2011, 18:05

    كتب تحترق في الوطن وأخرى تتنقل من
    منفى إلى منفى.. والطريق إلى العراق طويل

    مصائر مكتبات المثقفين العراقيين

    كانت المكتبة أول هدف للشرطة السرية بالعراق، فما أن يُعتقل الباحث أو الكاتب، إلا وبعثرت مكتبته بحثاً عن كتاب ممنوع. وكان الأهالي يخفون كتب أحبائهم من المعتقلين بطرق شتى، كدفنها تحت الأرض، أو نقلها إلى جار مؤتمن. وآخرون كانوا يقطعون رأس البلية، الكتاب، بحرقه أو إتلافه بطريقة ما. وما أكثر كنوز، لا صلة لها بالسياسة، أتلفتها أمهات لا يقرأن ولا يكتبن، ويتخيلن كل كتاب مصيبة.

    وكل مثقف، عاند السلطة، أو تجرأ على عدم مسايرتها، قصة مع مكتبته داخل العراق، ناهيك من حياة الترحال التي عاشها المنفيون منهم، وما يتعلق بتأسيس المكتبات، ثم لا يحمل منها أكثر من عشرين كليوغراماً، وهو الوزن المسموح به في الطيارت، حين يغادر إلى مناف وملاجئ أخرى، وما أكثرها.

    مَنْ بحث في كتاب «العراق بين احتلالين» لعباس العزاوي (ت 1971)، سيقدر عدد المصادر التي استخدمها هذا المؤرخ، وسيتعاطف مع أحزانه، وهو على فراش الموت، على مصير مكتبته العامرة، وقلق ابنته على ذخيرة والدها. وكذلك الحال بالنسبة للأب ماري انستاس الكرملي (ت 1947). كان مصير مكتبة العزاوي، حسب ما نقله لي الأديب مير بصري (ت 2006)، أنه شاهد عمال يرمون بالكتب من الشبابيك إلى بطن سيارة مكشوفة، وكأنهم يرمون بطابوق. أما مكتبة الأب الكرملي، فقد حشرت في مكتبة الموصل، وتفرقت شذر مذر، من دون أن يحفظ اسمه عليها، ومعلوم ما كان فيها من نفائس الأثر.

    وللعلم أن نشأة المكتبة الوطنية العراقية كانت فضلاً من أفضال هذا العالم، إذ تبنى نشأتها العام 1922، وبدأت تحت اسم مكتبة السلام، ثم نقلت محتوياتها لتأخذ اسم المكتبة العامة، ثم المكتبة الوطنية (1961)، وأُلحقت بوزارة الثقافة والإرشاد (قزانجي، المكتبات في العراق).

    أتذكر عندما صحبني الأديب سالم الدباغ (توفي منتصف الثمانينات)، وكنت أحد تلاميذه، إلى بيت الأديب واللغوي هاشم الطعان (ت 1980) هالني عدم رؤية جدارن في الدار، فقد غُلفت بالمجلدات، وتكوم بعضها على الروازين، وتحت السلالم. وما زاد دهشتي، أنه كان ينوي شراء مكتبة أحد المتوفين من العلماء!.

    وسألت هيثم نجل الطعان عن مصير مكتبة والده، فقال بحسرة كبيرة إنه بعد وفاة والده، واعتقاله، ثم إطلاق سراحه، من دون إكمال مدة الحكم 25 عاماً، جاءه الأديب ماجد العزي، وكان بعثياً، وعلى صلة جيدة بوالده، واقترح عليه بيعها إلى جامعة بغداد. لكن الجامعة رفضت شرطه، وهو أن تخزن تحت اسم صاحبها.

    ثم أعاد عليه الكرة واقترح بيعها إلى جامعة الكوفة، التي قبلت بالشرط. وسريعاً حُملت الكتب باللوريات تحت نظرات أفراد الأسرة الحزينة، ففي كل كتاب لفقيدهم لمسة من يده وخفقة من روحه، وقد جمعها، رغم العوز، كتاباً كتاباً.

    ولما ذهب هيثم إلى جامعة الكوفة لاستحصال ثمن المكتبة، وهو لايزيد على ما يُقابل أربعمائة دولاراً، كانت المفاجئة أن الكتب «فرهدت» قبل دخولها إلى الجامعة، وقسمت بين الأساتذة والمسؤولين، ولم يبق منها غير كتيبات، وليس هناك اسم لصاحبها ولا يحزنون. والأنكى من هذا لم يتمكن من استحصال المبلغ، وقد أنسل ماجد العزي من العملية برمتها. هذه باختصار قصة إحدى مكتبات أدباء ومثقفي العراق في الداخل.

    كان الراحل مير بصري حزيناً على مصير مكتبته، خائفاً أن تلاقي مصير مكتبة العزاوي، وأن يزال اسمه من على كتبه مثلما أزيل اسم الكرملي. مازالت مكتبة بصري بداره بلندن. عائلته لم تفعل شيئاً بها، إلا إنها ما تزال بعيدة عن بغداد، وكانت نيته أن تكون هناك. ومن ثمرات مكتبة بصري كتبه في طبقات المجتمع العراق «أعلام السياسة في العراق الحديث»، «أعلام الأدب في العراق الحديث»، «أعلام التركمان.. »، «أعلام الكرد.. » وغيرها.

    يعيش المعاناة نفسها المعماري محمد مكية، 91 عاماً، بعد أن أُغلق ديوان الكوفة، ووجدت مكتبته طريقها إلى الخزن، في مخازن باردة، وكان يمر بها يومياً ملامساً ورامقاً صفوفها، وفيها كتب تعود القرن السابع عشر.

    وما زال ينتظر نقلها إلى بغداد أيضاً. لكن بغداد، وقبل ثلاثة عقود، لاهية عن الكتاب بعذابها، وليست هناك جهة تؤمن الكتب إلى مستقرها في القسم المعماري الذي أسسه (1959)، ووعد فيها أحفاده وحفيداته من المعماريين عند زيارته بغداد في نسيان الماضي. بدأ مكية بجمعها منذ الأربعينيات، وأخذ يستخدمها كذخيرة، تصاحبها مكتبة من المخطوطات العربية والفارسية، ومجموعة نادرة من اللوحات الفنية لكبار الفنانين العراقيين.

    ووجدت وزير المال الأسبق عبد الكريم الأزري، 98 عاماً) محتضناً مكتبته الشخصية كالأب، معتنياً بها كل العناية. ويحاول من أول وهلة إشعارك أنه لا يعير كتاباً، ويرمقك بنظرة اعتراض وأنت تتصفحه، وكأنه ما صُنف إلا له.

    فيها الكثير من الكتب النادرة، المعروضة بتبويب مكتبي سليم، وبنظام مريح للباحث. إنها تحتل أكثر من غرفة من داره، ولا ينوي أن يهديها أو يوصي بها، وذلك لشدة تعلقه بها، فبفضلها صدرت له عدة مؤلفات خاصة بالتاريخ السياسي العراقي، إلا أنه ربما أكثر حظاً من غيره، فلديه ولده حيدر مولع بالكتب، لديه مكتبته الخاصة، بعد أن نشأ نشأة طويلة بالعراق.

    أما زميله وزير الزراعة الأسبق عبد الغني الدلي، 93 عاماً، فما زال يبحث عن طريقة لحفظ ما في حوزته من كتب، لعله يتمكن من ضمها إلى مكتبته التي تركها ببغداد بدار خاصة. وكان من أمانيه أن يعود إلى العراق، ويؤسس مكتبة في مسقط رأسه سوق الشيوخ، يجمع فيها شتات كتبه. وأبلغني عن مصير مكتبة صديقه القديم الحقوقي عبد المجيد القيسي (ت 2002)، صاحب كتاب «التاريخ يُكتب غداً».

    وكان توفي بدولة الإمارات المتحدة، وذووه ما زالوا ينتظرون العثور على مكتبة تستوعبها بطريقة تحفظ اسمه ردحاً من الزمن، بعد أن قُطعت حبال الوصل ببغداد، ومازالت مقطوعة. وما يذكر عن القيسي أنه أقام مجلس فاتحة على روح الملك فيصل الثاني في اليوم الثاني من 14 تموز، عندما كان قائمقام في قضاء الرفاعي، وقد سجن وأُطلق سراحه فمجلس الفاتحة لا يُعد جريمة يعاقب عليها القانون.

    وفي لقاء بعمان أخبرني علي نجل اللغوي إبراهيم السامرائي الأكبر (ت 2001) عن مصير مكتبة والده، إنه لما طلب منه أن يصبح مصححاً لغوياً في القصر الجمهوري (1981)، بامتيازات يحصل عليها كبار موظفي القصر، ورد والده على الطلب بالقول: «أنا أستاذ جامعي، وكل وقتي أقضيه بين كليتي والدار، فليس لي غيرهما».

    وكان محسوباً على اليسار من غير انتظام في حزب، بمعنى أنه لم يكن على وئام مع السلطة. عندها توجس السامرائي شراً مما ستأتي به الأيام القادمة، على خلفية رفضه طلباً موجهاً من صدام حسين، فحمل مكتبته وأسرته وهجر العراق، وعمل في عدة بلدان، ومنها اليمن، فعاد ثانية واستقر بالأردن حتى وفاته. أما مكتبته، التي تنقل بها من مكان إلى آخر، فأهديت إلى المجمع الثقافي بدبي، ومكتبة المجمع العلمي الأردني، ولا ندري هل يحتفظ باسمه عليها أم لا. وكانت ثمرتها حوالى مئة كتاب من تصنيفه، وأبرزها تحقيق كتاب «العين» للفراهيدي. وكان محمد مهدي الجواهري (ت 1997) لا يطمئن إلا لمشاركة السامرائي في تحقيق ديوانه.

    عراقيون آخرون أرقهم السؤال حول مصير مكتباتهم، بعد سنوات طويلة من جمعها، وحملها بين العواصم، وتحمل شكاوى العائلة وضيق العيش بسببها، إضافة إلى تكاليف شراء الكتب نقلها وخزنها.

    صمت نجدة فتحي صفوة عندما سألته عن مصير مكتبة عباس العزاوي، وماذا ستفعل عائلة مير بصري، إن كان لديه تصور، بكتبه، وقبل الإجابة قال: «وأنا كذلك! لا أدري ما سيؤول إليه مصير مكتبتي». وهي تملأ شقة خاصة بها، بالإضافة إلى الكتب الموجودة في شقته المجاورة، التي يسكن فيها. وهو يفكر بإهدائها إلى إحدى الجامعات، والأولى إلى العراق، إن كان هناك مَنْ يستقبلها.

    إنها مكتبة ثرية بالكتب التاريخية، وعلى وجه الخصوص تاريخ العراق وتاريخ المملكة العربية السعودية. ولا أدري كم سيكلف نقلها إذا حسم أمره، واختار الإقامة بالأردن، كما يفكر.

    المحامي جعفر البياتي قلق كذلك على مصير مكتبته، وهو محقق وقارئ نهم، جمع من الكتب ما جمعه في داره بفيينا، وبفضلها حقق كتاب «سِراج الملوك» لمحمد بن الوليد الطرطوشي (ت 520هـ)، صنف كتاب «مفهوم الدولة عند الطرطوشي وابن خلدون». إن مكتبته هي مدفأته في الغربة، وقد توسط عقده التاسع. ولده ليس له الاهتمام نفسه، وهو يدرك تماماً موقف وريثه منها، ولا يريد تخيل المكان من دون المكتبة، أو حملها إلى متاجر الورق ليُعاد تصنيعها، والطريق إلى بغداد ما زال وعراً للمسافر، فكيف لمكتبة!

    ويراود القلق نفسه المحقق والباحث جليل العطية، المقيم بباريس، وقد جمع مكتبة من نفائس كتب التراث، وما يختص باهتمامه، حتى أغنته في العديد من مصنفاته عن زيارة المكتبات العامة، فعمل مثل «الذخائر الشرقية» لتركة استاذه كوركيس عواد، وعشرات التحقيقات لا توفر مصادرها إلا مكتبة عامرة. ولما فاجأته بالسؤال: هل فكرت بمصير مكتبتك؟ قال: «كان الأمل، وما زال، أن تستقر ببغداد، ضمن مركز بحوث ودراسات، أو جمعية تهتم بالتراث والتاريخ، يستفيد منها الباحثون والدارسون».

    وخصوصاً بعد ما فقدت مكتبات بغداد من درر الكتب.إلا أنه حتى هذه اللحظة ليس لديه تصور آخر، ولا مفك من القلق على سبعة آلاف كتاب، ومصورات لكتب قديمة ومخطوطات. إنها محنة حقيقية، فأولاده بعيدون عن الاهتمام بمثل هذا الميراث، ولا يعنيهم الكتاب العربي، نتيجة نشأتهم في باريس.

    اقتصادي النفط فاضل الجلبي، تحدث عن ترحال طويل ومستمر، كلما شيد مكتبة ودعها بمكان، ولا يحمل منها غير القريب إلى نفسه، إلا أنه تحدث بمرارة عن مكتبة نفيسة ببغداد، التي أودعها في دار أهله، منضدة في صناديق تحتل السرداب، الذي استهرت به بيوت بغداد القديمة، وقد داهمها الماء، ولم ينج منها كتاب واحد. كانت تحتوي على مؤلفات أدباء من الأربعينيات والخمسينيات، مزينة بإهداءاتهم الشخصية، ومنها دواوين الشاعرة نازك الملائكة وإهداءات بخطها.

    كان الشاعر فوزي كريم متهيئاً للإجابة أكثر من غيره، بعد معايشة القلق سنوات طويلة على مكتبته، التي تكونت لديه خلال ثلاثين عاماً، واستحوذت على غرف الدار وممراتها. وإلى جانب الكتب لديه مكتبة موسيقية، يصل عددها إلى خمسة آلاف عمل موسيقي، ولوحات فنية من رسمه، ومن أعمال فنانين آخرين، يحلم أن يُلحقها بمكتبته الخاصة ببغداد.

    وفعلاً خطى خطوة عملية، عشية سقوط النظام، لينقلها إلى بغداد، لتكون تحت تصرف مركز ثقافي أو مكتبة ، وليس لديه شرط سوى أن تُخزن باسمه، مثلما تجري العادة. طلب، بُعيد سقوط النظام، من وزير الثقافة مفيد الجزائري توفير فرصة النقل، وتأمين مصير لمكتبته بمستوى تعلقه بها وقلقه عليها، إلا أن الأمل أخذ يتضاءَل، وعاد يداهمه القلق من جديد.

    كنت أزور الأديب سمير نقاش (ت 2004) بمانشتستر، وتحتل مكتبته فضاء الدار الأسفل وغرفاً من الطابق العلوي. كان يتحدث عن خزنها، وإمكانية نقلها، في ما بعد، معه إلى بغداد. ولما سمع بتصريحات وزراء عراقيين جدد، أن لا عودة ليهود العراق مثل بقية اللاجئين، بذريعة أن وزير الدفاع الإسرائيلي عراقي الأصل، رد بألم: «ربما هو الوحيد الذي سيعود»! وكان لا يكتفي بطبعة واحدة من الكتاب، فإلى جانب طبعة قديمة، ترقى إلى نهاية القرن التاسع عشر، وجدته يتابع الطبعات الجديدة، ويضمها إلى رفوف مكتبته. وبعد وفاته اتصلت بيَّ زوجته فكتوريا، تقول: «ماذا أعمل في الكتب، التي ملأ سمير بها الدار، وصرف عليها شقاء عمره؟ مات سمير ووجدت مكتبته طريقها إلى صناديق مغلقة بلا فهرسة، قد تتآكل من الرطوبة.

    أما الشاعر صلاح نيازي فقد حسم قلقه سريعاً، وحافظ على التناسب بين حجم الدار ورفوف المكتبة، وجعلها ثابتة على أربعة آلاف كتاب، حيث أخذ يعزل شهرياً ما يفيض لديه ويهديه إلى مكتبة جامعة لندن، أو مكتبات بريطانية أخرى، وهو يرى أنها أكثر حفظاً وصوناً من تسفيرها إلى بغداد، شأنها شأن الآثار العراقية، التي تحتفظ بها المتاحف الأوروبية بكل قداسة، مصانة من نوبات فرهود أو تحطيم واتجار.

    وفي حديثه تذكر هوس الأديب والمترجم نجيب المانع (ت 1982) بجمع الكتب، في كل مدينة وعاصمة يحل بها. أسس مكتبة بالزبير، ثم ببغداد، ثم ببيروت، وقد باعها بـ18 ألف دولار، ليؤسس مكتبة جديدة بلندن. وما تزال شقيقته الكاتبة سميرة المانع تحاول إيصالها إلى جامعة البصرة، حيث مسقط رأسه، أو أي خزانة كتب عراقية تحتضنها.

    هذه الأسماء مجرد نماذج قليلة تعكس عمق القلق على مصائر الذخائر من الكتب والمخطوطات، والأعمال الفنية، وكل واحد من هؤلاء، وغيرهم المئات من مشاهير الثقافة العراقية، تركوا مكتبات عامرة لهم بالعراق، موزعة صناديقها على منازل الجيران والأصدقاء، ومنهم مَنْ هجر المكان، وطرحها أمانة عند غيره، ثم انقطعت الأخبار، ومنهم مَنْ غادر الحياة، وصار مصير المكتبات إلى الباعة المتجولين، مفروشة على قارعات الطرق.

    كثيراً ما تشير الإهداءات على صفحاتها الأُول أنها تنحدر من مكتبة عالم من العلماء، أو شخصية مهمة من شخصيات بغداد، اضطر إلى بيعها لمواجهة تكاليف الحياة، وهذا ما تناقلته الأخبار عن مكتبة الناقد علي جواد الطاهر (ت 1996). حقاً إنها مصائر مقلقة، فليس لمثقف عراقي طوال الأربعين عاماً الأخيرة تمكن من الاطمئنان على ذخيرة حياته، وعصارة جهده، المكتبة. وربما يكون السؤال أعظم، لو علمنا بمصائر مكتبات كبار مثل: مصطفى جواد، علي جواد الطاهر، ومهدي المخزومي، وكوركيس عواد، وميخائيل عواد، وطه باقر، محمد أمين زكي، ونعيم الناشي، وفؤاد سفر، والطبيب راجي عباس التكريتي وغيرهم.
    مهاجي30
    مهاجي30
    عضو مجتهد
    عضو مجتهد


    الجنس : ذكر عدد المساهمات : 697
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : http://elmcid.moontada.net/

    الادب والثقافة في العراق Empty رد: الادب والثقافة في العراق

    مُساهمة من طرف مهاجي30 الإثنين سبتمبر 12 2011, 18:07

    كاتب ومدينة
    بغداد في المتنبي.. الدورات الزمنية الثلاث
    (بغداد عام 318 / 934 )

    غريبة هي العلاقة بين المتنبي وبغداد. لقد دُونت هذه العلاقة في الروايات التاريخية التي تناولت حياة المتنبي وشعره لكنها لم تولِ معناها ما يستحقه من تأمل ونظر. كانت العلاقة بين المتنبي وبغداد علاقة سلب مطلق. ما إن تطأ قدما المتنبي بغداد حتى يلوذ بالفرار. ذلك هو المَعْلم البنيوي لتلك العلاقة.

    أول ورود للمتنبي على بغداد كان حين هرّبته جدته (آخر الموجودين في نظامه البيولوجي) هرّبته، ليلا، من الكوفة؛ بعد أن أهدر دمه نبلاء قومه لقوله الشعر!! كان هؤلاء النبلاء أو (علية القوم) ينظرون إلى الشاعر كما تنظر إليه بعضُ زوايا مجتمعنا الآن بكونه (شعّارا)!

    على أية حال! وصل المتنبي بغداد ودار في طرقاتها حتى انتهى به المطاف!لى أحد أسواقها. فلندع المتنبي بصوته يسرد ما جرى له هناك: "أذكر أني أخذت بجانب منديلي خمسة دراهم وخرجت أمشي في أسواق بغداد فمررت بصاحب دكان يبيع الفاكهة فاستحسنتها ونويت أن أشتريها بالدراهم التي معي..

    فقدمت إليه وقلت:- بكم هذه الخمسة بطاطيخ؟
    فقال بغير اكتراث:- اذهبْ فليس هذا من أكلك!
    فتماسكت معه وقلت:- يا هذا دع ما يغيظ واقصد الثمن
    فقال:- ثمنها عشرة دراهم

    فلشدة ما جبهني ما استطعت أن أخاطبه في المساومة فوقفت حائرا ودفعت له خمسة دراهم فلم يقبل بها.
    وبينما أنا في هذا الموقف، إذ رأيت بائع البطيخ يندفع "فاتحًا يديه" نحو رجل تبدو عليه إمارات الغنى؛

    قد أقبل من خان وقال له:- يا مولاي هذا بطيخ "باكور" بإجازتك أحمله إلى البيت
    فردّ عليه الرجل ببرود وهو يشير إلى البطيخ:- بكم هذا الباكور ؟
    أجاب البائع متلعثماً:- بخمسة.. بخمسة دراهم
    أعرض الرجل عنه وهو يتمتم:- بل بدرهمين!
    تشبث البائع بذراعه وهو يقول:- بدرهمين.. بدرهمين مثلما تريد!

    يتابع المتنبي سرد ما حدث:"باعه كومة البطيخ بدرهمين وحملها إلى بيته وأنا متسمر في وقفتي أكاد أتميز من الغيظ وعزمت على ألا أبرح مكاني حتى أقع على أمره، وما لبث أن عاد مسروراً بما فعل!

    فاندفعت نحوه آخذا بتلابيبه وقلت:- يا هذا ما رأيت أعجب من جهلك! استمت عليّ في هذا البطيخ وفعلت فعلتك التي فعلت وكنت قد أعطيتك بثمنه خمسة دراهم فبعته بدرهمين محمولا!

    فدفعني وهو يقول:- اسكت يا جاهل! هذا يملك مائة ألف دينار ذهبا!

    وهكذا وليت هاربا:

    فوا أسفا ألا أكب مقبلا ---- لرأسك والصدر الذي مُلئا حزما
    وألا ألاقي روحك الطيب الذي --كأن ذكي المسك كان له جسما

    بغداد في 970 من الميلاد بعد ترحاله بين قبائل بادية الشام، وجد المتنبي نفسه نزيل سجن حمص، بعد أن حبسه الأخشيديون بتهم يختلف المؤرخون في أسمائها و أسبابها، وهو أمر لا يهمنا الآن بقدر ما يهمنا انبثاق بغداد من داخل محبسه الحمصي. إذ ورده، وهو في السجن، كتاب من جدته تخبره فيه بإشرافها على الموت. لم تكن جدته كل ما تبقى له من أسرته حسب، بل كانت، في سني طفولته الأولى، الإطار الذي ضم صورته والروح التي حطمت ذلك الإطار في آن واحد!

    خبر جدته أو دنو خبرها، حطم كبرياءه الذي عرف به! ولهذا انتهز فرصة استبدال أمير حمص (إسحق بن كيغلغ) بأميرها الجديد (محمد بن طغج) ليرفع تظلماً؛ أبى أن يرفعه قبل ذلك:

    بيدي ايها الامير الاريب ---لاشيء الا لأني غريب
    او لأم لها إذا ذكرتني-----دم قلب بدمع عين يذوب
    ان اكن قبل ان رأيتك أخطأت- -فإني على يديك أتوب
    عائب عابني لديك ومنه --خلقت في ذوي العيوب العيوب

    بهذا الاستعطاف حصل المتنبي على حريته المشروطة بطرح عزته مؤقتا، ليشق طريقه، من فوره، إلى الكوفة عبر بغداد. هكذا يعيده القدر ثانية إلى بغداد!

    انتظر في بغداد، متواريا، ليستطلع أخبار الكوفة المتربصة به، عن طريق رسوله وخادمه (مفلح). وجاءه الرسول بنذر مأساته: أن جدته تُحتضر وأن خاصته، من قومه، قد علموا، أو قدروا، أنه سيرِد الكوفة لتفقد حال جدته التي كان لايدعوها إلا بأمه، فزرعوا له المكامن لأخذه غيلة، لكنه كان قد اتخذ قراره بأن يتسلل إلى الكوفة، فلم يعد قادراً على أن يتنازل عن النظرة الأخيرة المتبادلة بين روحيهما. لكن ما إن وصل إلى مشارف بغداد حتى جاءه خبر موتها:

    فوا أسفا ألا أكب مقبلا ---- لرأسك والصدر الذي مُلئا حزما
    وإلا ألاقي روحك الطيب الذي كأن ذكي المسك كان له جسما
    هكذا لوى عنان فرسه نافذًا من أفق بغداد المُضبب، إلى حيث لا بغداد!

    المتنبي يهرُب، أو على نحو أدق يُهرّب، من سجنه في مصر هو وولده (مُحسد) وخادمه (مفلح) ليعبر سيناء، مخلفاً وراءه صرخات (كافور) أمير الأخشيديين في مصر والشام وهو يأمر قواد جيشه ووزراءه "اطرقوا أبواب الأمصار كلها الشام وبغداد وحمص وشيراز، ادفعوا بسخاء إلى القبائل... أريد لسانه ملفوفاً بقطعة قماش!

    كان لسان المتنبي هو مشكلة (كافور) في ثنائية المدح والهجاء؛ زعزعة السلطة أو تثبيتها، إذ هو يعدل ما ندعوه الآن بالحزام الإعلامي. وكان المتنبي في حال؛ تجاوز فيها اليأس إلى القنوط! ولهذا اتخذ قراره بما سماه اقتحام الكوفة: العودة الى الرحم. ومرة ثالثة كان لا بد لهذه العودة أن تقوده إلى بغداد. وإذ كان يشق طريقه في منعطفات بغداد، كان يحس كما لو أن قدميه كانتا تطآن أرض المأساة!

    نزل، موارباً، دار صديق له؛ يروي شعره، هو (عبد الله بن حمزة البصري). كان يبحث في دار البصري عن مكان مؤقت للعزلة، ريثما يشق طريقه إلى الكوفة ،غير أن خبر وصوله إلى بغداد ونزوله دار البصري، قد بلغ مسامع السلطة؛ أمير أمراء بغداد (معز الدولة البويهي) الذي تلقى الخبر من وزيره (المهلبي) بدهشة:- المتنبي في بغداد!

    ثم تمتم:- إنه ليسوؤنا أن يرد على حضرتنا رجل صدر عن حضرة عدونا.

    غير أنه ترك الأمر لوزيره:- إنه لك أيها الوزير! فبين له أن بغداد بني بويه ومعز الدولة، ليست إمارة الأخشيد أو قبيلة بني حمدان! وقد أقدم (المهلبي) على ضربة مستقيمة، حين أرسل من يطلب من المتنبي أن يمثل بين يديه مادحاً! بعد أن غادر رسول (المهلبي) ، مال عليه (علي بن حمزة البصري) يحذره:- اتقِ هؤلاء!

    حينها ينهض المتنبي ويتجه إلى النافذة، ويتطلع إلى حيث تدور في بغداد رحى نفسه! ثم يلتفت إلى مضيفه، ويقول:- لن أمدح... لن أقول شعراً في المهلبي وأميره حتى لو قدما لي أكياساً ملؤها ذهباً محمولةً على بغال بغداد كلها!

    ثم بصوت قاطع، قال، وهو يلتفت إلى ولده (محسد) وخادمه (مفلح):- تلقيت دعوة (ابن العميد) وسألبي هذه الدعوة... سأذهب إلى شيراز!

    بادره ولده بصوت يشوبه الإنكار:- تذهب إلى شيراز (ابن العميد) وتمتنع عن بغداد (ابن بويه) ؟!

    نظر الأب في عيني ابنه وقال:- أمراء الأعاجم في بلادهم يريدون شهرة ويعطون مالا، أما هؤلاء فيريدون شهرة ويعطون ذلا!

    عندها يسأل الصبي سؤالا فلسفياً:- أتسعى إلى مال يا أبتي؟
    مرة أخرى ينفذ المتنبي إلى عيني ولده ويقول:- ليس لي... بل لك!
    كان ذلك تعبيراً عن الإحساس بالنهاية. وكن ذلك في بغداد!

    تلك هي الدورات الزمنية الثلاث للعلاقة بين المتنبي وبغداد؛ تلك العلاقة التي تمثل، بنيوياً، علاقة إزاحة، وليس علاقة إقامة. غير أن المفارقة في العلاقة بين المتنبي وبغداد حدثت بعد موته! إذ اختار الأرض التي لفظته دائمًا، لتكون موطنه الأبدي! فمن بين العواصم والبلدان التي تقلب في جنباتها كالكوفة والموصل وحمص وأنطاكية وحلب ولبنان ومصر وشيراز وواسط، اختار بغداد وطناً للإقامة الرمزية المطلقة! بعد أن ترك جسده في واسط.

    في بغداد تملّكَ أروع بقعة للثقافة العراقية الغليظة: شارع المتنبي كل يوم، ويوم الجمعة الروحانية خاصةً، يلتقي أحفادُه مع خير الجلساء؛ بالشرط المحرر بعقد الفطرة بينهما: حرية العقل، وذلك هو مدلول قوله:

    وخير مكان في الدنى سرج سابح ---- وخير جليس في الزمان كتاب

    وسرج الحصان الطائر مكاناً، والكتاب؛ ظرف العلم، جليساً رمزان للحرية والوعي. مرة أخرى يستيقظ المتنبي على عادة بغداد القديمة: صناعة الحزن، يستيقظ على إحراق وعيه!

    يُكفر وتحرق خزائنه النفيسة:من مصاحف مُنزلة، وأوراق موضوعة بالعلوم والفنون والأفكار، وتراث من حوار الأفكار، وخزين؛ لايُحصى، من المعرفة الالكترونية، وكنوز من الوثائق والمخطوطات. وقد شوهد المتنبي وهو يمسح كتابه المحترق، ثم يتجه، مخترقًا رماد المعرفة، ليتفقد أطلال مقهى الشاه بندر! ويستأنف الكتابة فيه!
    مهاجي30
    مهاجي30
    عضو مجتهد
    عضو مجتهد


    الجنس : ذكر عدد المساهمات : 697
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : http://elmcid.moontada.net/

    الادب والثقافة في العراق Empty رد: الادب والثقافة في العراق

    مُساهمة من طرف مهاجي30 الإثنين سبتمبر 12 2011, 18:07

    منجز القصة العراقية
    منجز القصة العراقية



    أود في هذا الحيز الضيق تقديم نظرة تقييمية مكثفة عن المنجز القصصي العراقي منذ النشأة حتى الأن، رغم صعوبة الأمر، فعمر القصة العراقية يقارب عمر الدولة العراقية التي نشأت بحدودها الحالية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ممثلة بنصوص ـ محمود أحمد السيد ـ الذي يعود له فضل تأسيس قالب القص بشكله المعاصر، وما تلاه من أجيال جاهدت من أجل بلورة قالب قصصي يناسب البيئة والتجربة العراقية بين الحربين العالميتين..

    الحيز ضيق وغرضه ألقاء الضوء على ظاهرة، نص، جيل، لذلك سأتناول جانباً جوهرياً بصيرورة النص القصصي العراقي إلا وهو مسيرة نضج السرد القصصي فنيا كي يعي ذاته، فبمقدار ما يتخلص السرد من الأفكار الأيدلوجية المسبقة ذات المقاصد والمباغي سواء أكانت خيّرة أو شريرة يصل إلى نضجه بحياديته، فيستطيع لمس كيان الإنسان عميقاً مما يبرر النص القصصي المكتوب كونه فناً يحمل قيمته الجمالية أولاً، التي تحقق بدورها قيمة أيدلوجية مطلقة بالضد من الأيدلوجيات المتصارعة من أجل السلطة والمال.

    أيدلوجية معنية بالإنسان ومحنة وجوده وأغترابه تنبثق هذه القيمة من باطن ارتصاف الحروف بجسد الكلمة، والكلمة بجسد الجملة السردية المنشأة بتلابسها مع الما قبل والما بعد كوناً.. مناخاً مختلفاً يحرض على الحلم يشابه الواقع لكنه ليس واقعا، وبشابه الخيال ولكنه ليس خيال.

    من هذه الزاوية.. ومن خلال دراستي للقصة العراقية منذ نشأتها أستطيع القول:

    أن مرحلة التأسيس المضنية التي انطلقت من العشرينات أثمرت في الخمسينات عن ولادة بنية قصصية واعية لذاتها على يد المبدعين الكبيرين ـ عبد الملك نوري ـ في مجموعته ( نشيد الأرض ) و ـ فؤاد التكرلي ـ في ( الوجه الأخر ) لكن الأخير أي التكرلي تميز بتنقية السرد من كل ظلال الأيدلوجيا سوى مطلقها المعني بكينونة الإنسان، مما أكسب تلك النصوص نضارة دائمة تجد تجسّدها في سر قراءتها رغم غبار الزمن وكأن ما يحصل لذوات شخصياتها المقهورة في قصص.. العيون الخضر، موعد النار، الوجه الأخر وباقي القصص يحصل لحظة القراءة. هذه الذروة الفنية التي أمسكت بلحظة أبدية في بنيتها السردية كان من المفترض أن تدفع بالفن القصصي العراقي إلى مرحلة جديدة، لكن ظلت ـ الوجه الآخر ـ شاخصة كمعلم فني وحيد جوار ـ نشيد الأرض ـ وبعض أقاصيص سابقة أسست لفؤاد وعبد الملك إلا وهي أقاصيص ـ يوسف متى ـ الذي ضاع أثره، إلى فترة متأخرة نسبياً بسبب التسيّس الحاد للمجتمع العراقي في أعقاب وصول العسكر إلى السلطة في 14 تموز 1958 حيث طغت الشعارات السياسية الفجة على مناحي الحياة وألسنة العراقيين، أعقبها تناحر دموي بين رؤوس السلطة العسكرية انعكس سلباً على النص الفني، وأستطيع القول: أن التناحر اللامعقول ألقى ظلاله المعتمة على بنية السرد القصصي، حيث انشغل العراقي وقتها بمحنة المحافظة على الكينونة.. سلامتها خشية بطش السلطة.. كان ذلك لفترة ليست بالطويلة إذ سرعان ما أستعاد جيل الستينات الذي شبَّ في لحظة انحسار الأحلام وتألقها.. بين واقع بحور الدم التي أغرقت القوى المتصارعة وحلم ثورة تحقق عدالة مستحيلة.. وفي سنوات ضعف السلطة العراقية النسبي بالفترة الواقعة بين 1964 ـ 1970 في تلك الفترة من تأريخ ظلال الحرية في العراق ولد جيل الستينات الأدبي المتمرد متأثراً بأفكار سارتر وكاموا الوجودية، وبأفكار جيفارا الذي ذهب إلى حلمه وحتفه في أرياف بوليفيا.

    أستطيع القول ـ فيما يخص ما ركزتُ عليه ـ: أن النص القصصي العراقي أنتقل أبعد في تأمله بالشأن البشري، متخلصاً من كل أدران الأيدلوجيا السياسية والتي أخذت طابع العشائرية في بنية المجتمع العراقي.. وذلك في نصوص ـ جليل القيسي ـ ( صهيل المارة حول العالم ) الصادرة عن دار النهار اللبنانية 1968. و ـ محمود جنداري ـ في ( أعوام الضمأ ) 1969. و ـ عبد الرحمن مجيد الربيعي ـ في ( السفينة والسيف ) 1966. و ـ أحمد خلف ـ في ( نزهة في شوارع مهجورة ) 1974. و ـ فهد الأسدي ـ في ( عدن مضاع ) .

    وـ موسى كريدي ـ في ( أصوات المدينة ) 1968. وـ عالية ممدوح ـ في ( هوامش السيدة ب ) الصادرة عن دار الآداب بيروت. وـ محمد خضير ـ في ( المملكة السوداء) 1972 المكثفة بنصوصها الثلاثة عشر، وكأنها البوابة التي أفضت إلى تلك اللحظة الكامنة بين الحلم واليقظة.. اللحظة الوهم التي لا هي واقع ولا هي حلم.. لحظة تشبه أحلام اليقظة..تذكر الحلم.. أو حلم دائم يحياه القارئ لحظة القراءة.. ومن يريد استعادة مثل هذه اللحظات فما عليه إلا الاستغراق في عوالم نصوص ( أمنية القرد ) وحتى النص الثالث عشر ( التابوت ).

    لم يترك القاص ـ محمد خضير ـ ثيمة في التجربة العراقية إلا وتناولها في نصوص مملكته السوداء، الحب، الحرب، الفقدان، الاغتراب، الفراق، الطفولة.. بـ ـ محمد خضير ـ أصبح من العسير على الكتاب الشباب إيجاد أسلوبهم دون المرور بأسلوبه المذهل؛ السهل ظاهراً.. العسير المنال جوهراً.. هذا ما حدث للعديد من الشباب المبدعين قبل أن يعثروا على صوتهم الخاص..

    لم يستمر الأمر طويلاً، فسرعان ما ساد خطابان أيدلوجيان متناقضان تحالفا حلفاً شكلياً طوال فترة السبعينات من القرن العشرين المنصرم: البعثي والشيوعي؛ حيث طغى الخطاب الأيدلوجي على كل ما هو متأمل وحقيقي.. لينتهي بتناحر لا يختلف في جوهره عن تناحر أواخر الخمسينات وأوائل الستينات. سحق مطلق للرأي الأخر، وتسييس قسري لكل عراقي شاء أم أبى، فأتت الحروب كمحصلة وكنقطة تحول في حياة المجتمع العراقي المعاصر والنص القصصي العراقي.. وما أعقبها من دمار وتشديد الإرهاب والهجرات الواسعة للكتاب والمثقفين.

    وضعت الظروف الجديدة القصة العراقية في امتحان عسير حيث ضغطت السلطة باتجاه تشجيع تيار أدبي مجّدَ الحرب والقتل؛ فظهر العديد من الكتاب الشباب الجدد أنصاف الموهوبين الذين كتبوا سيلاً من النصوص الركيكة المتغزلة بالحرب والقتل والضباط والقادة في محاولة لإضفاء الشرعية على ذلك الموت المجاني الذي طال العراقي المساق إلى النار قسراً. هذا التيار الجارف المعروف والموثق في كتب صدرت تحت لافتة ـ قصص قادسية صدام ـ أربك العديد من المبدعين ـ جيل الستينات ـ الذين عايشوا الوضع في الداخل، فأدى الوضع الجديد ومنذُ أواسط الثمانينات إلى بروز تيار جديد في القصة العراقية فرضته ظروف الحرب.

    تيار نأى عن نصوص الحرب المؤدلجة الممجدة لفعل الشر ـ الحرب ـ، واستدار عن مأزق الإنسان العراقي وأمكنته الممزقة بآثار الحرب الطويلة والمستمرة، ليدخل مأزقه الخاص ويتغرب عن عصره منشغلاً بكائنات أساطير بلاد الرافدين القديمة والأمكنة المندثرة لحضارات ازدهرت ما بين النهرين وبشرها المختلفين عن بنية العراقي المعاصر الأقرب إلى بنية حضارات مازالت حية كالإسلام والمسيحية، مما جعل الرموز ومدلولاتها محصورة بحدود النص ومصادر الكتب القديمة وأطلال الأمكنة، مما أدى إلى خلق بنية سردية مبتكرة وجديدة على السرد العراقي والعربي، فالتبست طريقة السرد حتى على كاتبها لدى ـ محمود جنداري ـ الذي تفجر في مجموعته القصصية ـ مصاطب الآلهة ـ فظن أنه يكتب نصا بلا حبكة في محاضرة في اتحاد الأدباء في العراق كما ذُكِرَ في مقدمة المجموعة الصادرة عن دار أزمنة ـ الأردن ـ، لكنني وجدت فيها لدى تحليلها نصاً تأتى حبكته من سبر غور التاريخ والدم المساح في العراق في نشيد أعمق من الشعر أفضى به إلى زنزانة الإعدام ثم إلى الموت بالسكتة قبيل صدور مجموعته المشار إليها.

    ولدى المخضرم والمجدد ـ محمد خضير ـ تحول النص إلى معمار لغوي ينحت ماضي الأمكنة مطعماً بألغازها وأحجيتها الملتبسة في غموض يقتل المدلولات قصة ( رؤيا البرج ) وحول بعض قصصه إلى أحجية كقصة ( صفيحة التساؤلات ) وغيرها من مجموعته القصصية ـ رؤيا الخريف ـ الصادرة في الأردن أيضا.

    ولدى ـ جليل القيسي ـ المميز بأسلوبه الواضح إذ تحولت القصة لديه إلى بنية الحكاية السابقة لمفهوم النص القصصي الحديث ( مملكة الانعكاسات الضوئية ).. وبعض أقاصيص ـ لطفية الدليمي ـ ذات المسحة الصوفية. ومحصلة هذا التيار إغناء القصة العراقية والسرد العراقي والعربي بأشكال وبني سردية جديدة من جهة، وَتَغرب النص العراقي عن مأزق العراقي زمن الحرب حيث كان الإنسان العراقي بأمس الحاجة إلى متخيلٍ فني يعادل قباحة الواقع ويجعل من الحياة أكثر احتمالاً.

    بالعكس من التيار المذكور، ومنذ أواسط الثمانينات أيضاً بدأت تنمو خارج العراق قصة منفى عراقية تميزت دون كل التجارب الأخرى كونها لصيقة بما يجري للعراقي في الوطن، سرعان ما رسخت كمصطلح جديد في الأدب العراقي السردي يستند إلى نصوص نُشرت لكتاب تبلورت موهبتهم ورؤاهم الفنية والفكرية في أجواء الحرية المكتسبة من فعل النفي العراقي بدوافعه الأيدلوجية ـ السياسية المختلفة عن واقع المنفى العربي عدا التجربة الفلسطينية المفترقة بدورها عن جوهر تجربة النفي العراقية، مما جعل النص القصصي العراقي المكتوب في المنفى يطرح إشكاليات جديدة في القص العربي المعاصر تختلف عن إشكاليات أدب المهجر اللبناني السوري في بدايات القرن العشرين، وعن أدب المقاومة الفلسطيني، فما زال المنفي ـ المبدع ـ العراقي يحلم بعودة قريبة؛ ينام ويصحو عليها منذ لحظة مغادرته تراب وطنه، يحلم.. ويحلم بالبشر والأمكنة مما جعل نصوص الكتاب المنفيين تبدو وكأن كتباها يعيشون في العراق لكن لديهم حرية التعبير عن المأزق الذي يعيش فيه العراقي دون رقيب، فعرضت تلك النصوص محنة العراقي في ظل الديكتاتورية والحرب وظروف القسوة بوضوح، خوفه، استلابه، أحلامه، تشوّهه، موته العبثي..

    نجد ذلك في نصوص جنان جاسم حلاوي ( قصص الحب.. قصص الحرب ).. التي تناولت معضلة الإنسان في ظل الحرب العراقية الإيرانية وهموم الجنود في الجبهات وفي الإجازات في المدن، ونجم والي في مجموعته ( ليلة ماري الأخيرة ) التي تناولت نصوصه فيها أوضاع مختلفة للبشر من أطفال وجنود زمن الحرب، وكريم عبد في ( الهواء يوشك على الوجوم ) التي تناول في نصوص عدة محنة الموت في الحرب سواء في جبهة الحرب العراقية الإيرانية أو في الجبل بين الثوار، وشاكر الأنبا ري في ( ثمار البلوط ) .. و ( أنا والمجنون ) إذ تناولت بعض نصوصه محنة الجندي الهارب من الحرب وطريقة تسلله إلى الجبال لعبور الحدود قصة ـ ثمار البلوط ـ وموضوعات تتعلق بمحنة الإنسان في زمن الحرب والدكتاتورية في نص ـ دكة الموتى ـ وغيرها، وكاتب هذه السطور في مجموعته الأولى ـ رؤيا اليقين ـ 1994 دار الكنوز الأدبية ـ بيروت. التي تناولت نصوصها السبعة محنة العراقي في تجربة الثوار في الجبال شمال العراق، و ـ سرير الرمل ـ دار حواران دمشق 2000 التي تناولت في نصوصها مأزق الإنسان في المنفى، والحب في الصبا والشيخوخة، أضافة إلى تيمة فقد الأحباب في المعتقلات والحرب، وسلام عبود في ـ العودة إلى آل أزيرج ـ و ـ ضباب أفريقي ـ الصادرة عن دار المنفى 1998.

    وعندما يخوض النص في كينونة المنفي ومعناه يكون شديد التوتر، يفيض بالقلق المتولد من تقاطع الشعور بوقتية النفي وطول زمنه؛ ـ إبراهيم أحمد ـ في ( بعد مجيء الطير ). ـ حسين الموزاني ـ ( خريف المدن ). أما ـ هيفاء زنكنة ـ فقد صدرت لها مجموعة ـ بيت النمل ـ التي خاضت في جميع نصوصها بالخراب الروحي الذي يورثه المنفى بكينونة المنفي. كما لابد أن نذكر ـ علي عبد العال ـ في مجموعته ـ العنكبوت الصادرة عن دار المنفى ـ السويد 1997 ـ التي تناول فيها محنة المنفى في نص طويل وجميل من نصوص المجموعة.

    بالإضافة إلى انشغال العديد من النصوص في إعادة بناء أمكنة الطفولة وشؤونها في العديد من نصوص الكتاب المذكورين وبروح مختلفة متأتية من خصوصية إلتباس تجربة النفي العراقية، تجلى ذلك بتميز لدى ـ جبار ياسين ـ في ( وداعا أيها الطفل ) المركز العربي للفنون والآداب ـ بلجيكا ـ بروكسل 1995. إذ مزج الطفولة بالواقع السياسي العراقي الدامي.. فجاءت القصص بعيني طفل يرى العنف في الشوارع زمن الانقلابات العسكرية أواخر الخمسينات وخلال الستينات. أما لدى ـ سالمة صالح ـ فتحول النص إلى رسم أمكنة الطفولة وحكاياتها بأسلوب طغى عليه العاطفة الجياشة وأغرقه الحنين في ( زهرة الأنبياء ) دار المدى 1994.

    أما أساليب القص فمتنوعة في تقنياتها ومذاهبها من أسلوب القص التقليدي كما لدى ـ علي عبد العال ـ و ـ سلام عبود ـ إلى أسلوب السرد الحديث والمبتكر كما هو لدى ـ جنان جاسم حلاوي ـ و ـ جبار ياسين ـ . رغم هذا التباين الأسلوب الغني فقد تميزت لغة النصوص بالوضوح والرشاقة والتكثيف والبناء بالمتانة، عدا أن غالبية المبدعين المذكورين مثقفين يمارسون الكتابة النقدية الإبداعية في الصحف والمجلات العراقية الصادرة بالمنفى والعربية.

    ( لابد من الذكر هنا أن الكتاب المنفيين من الأجيال السابقة لهذا الجيل استمرت بالنشر وبنشاط مجاميع قصصية أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر؛ ـ فاضل العزاوي ـ، ـ محمود سعيد ـ، وغيرهم لكن النصوص التي أطلعت عليها متخلفة من ناحية الصوغ الفني وطريقة تناول الموضوعات عن الجيل الأنف الذكر... وهنا أود تذكير القارئ بأني أقصر حديثي هنا عن ـ القصة ـ وليس الرواية التي ساهمت الأسماء المذكورة فيها وكانت جهدها الرئيسي في الكتابة والنشر ولي وقفة معها في موضع أخر يخص الرواية العراقية..).

    منذ أوائل التسعينات بدأ يتبلور تيار جديد من القص العراقي.. هو جيل من الكتاب الشباب خارج لتوه من هول الحروب، الحصار، الجوع، القمع، ملتجئا إلى معسكرات اللجوء في دول الجوار؛ إيران والسعودية أو تشّرد بين عمان ودمشق ودول اللجوء في أنحاء العالم. ويظهر لاحقا كتاب ممن بقوا داخل الوطن يعانون ويكتبون بصمت وبطريقة مبتكرة وجديدة. هذا المخاض القصصي العراقي المحتدم احتدام الواقع العراقي الثقافي والاجتماعي والسياسي نشر أظهر أسماء طموحة بدأت بالتنظير قبل تحقق النص مثل جماعة البصرة التي نشرت بياناً وضعت له عنوناً عريضاً يقول ـ مختبر جماعة البصرة أواخر القرن العشرين ـ وعنوان طبيعة الموضوع ـ أنساق القصة القصيرة جداً ـ إضاءات الرحلة ـ هواجس التجربة ـ ووقع هذا البيان؛ قصي الخفاجي/ كاظم الحلاق/ نجاح الجبيلي/ كريم عباس زامل/ محمد عبد الحسن.

    لست بصدده لأني لا أميل إلى التنظير قبل النص.. لكنني تابعت ما استطعت من نصوص لهذا الجيل فوجدتها مهمومة بمواضيع جديدة، مختلفة تماما تروي ما لم يروه جيل الستينات المتواجدة رموزه في اللحظة الراهنة في العراق والمنفى، وما لم يستطع أن يرويه الجيل الناضج فنياً الذي ترعرع في المنفى، لكنني تلمست في غالبيتها تخلفاً من ناحية وعي السرد لذاته التي حققتها الأجيال السابقة، فالنصوص التي أطلعت عليها متشظية، تريد قول كل شيء.. كل المآزق.. كل الهموم الفلسفية.. كل تفاصيل التجربة دفعة واحدة لا تتيحها القصة القصيرة كقالب فني محدود المساحة، مما شظاها بنيةً ولغة، وهذه قراءتي استمرت طوال تسعينات القرن الماضي. وهنا لابد أن أضيف العديد من الأسماء التي أصدرت مجاميع قصصية من هذا الجيل أذكر منهم ـ محسن الرملي ـ، ـ هادي السعدون ـ عدنان حسين أحمد ـ، المرحوم ـ محمد الحمرني ـ وغيرهم.

    وهذا الجيل يحتاج إلى دراسة نقدية مستقلة تقلب جهده ومساره في مسيرة القصة العراقية لست بصددها الآن. كنت وقتها أتساءل مع نفسي:

    ـ هل سيبلور هذا الجيل الشاب الجديد ـ عند استواء نضجه الفني القريب الأكيد ـ سرداً فنياً جديداً في القصة العراقية جديرة به لما لها من فرادة في التجربة تختلف كليا عن المحيط العربي والأجنبي الملاصق لها؟!.

    وكنتُ واثقا من ولادة أو بقولٍ أدق تميز نصوص تطور ما وصل إليه النص القصصي العراقي.. وكنت أنتظر ذلك بحرارة.. وتحقق هاجسي حينما قرأت مجموعة القاص العراقي ـ نعيم شريف ـ ( عن العالم السفلي ) الصادرة عن دار الشجرة دمشق 2000. ( يجد القارئ تحليل لقصص المجموعة في هذا العدد من القصة العراقية ) ومجموعة القاص ـ لؤي حمزة عباس ـ ( على دراجة في الليل ) الصادرة عن دار أزمنة 1997 الأردن.

    ومجموعة القاص ـ جلال نعيم ـ ( بينما يحدث في بغداد الآن ). الصادرة عن دار ألواح 2007. تأكد هاجسي وثقتي بالعراقي المبدع والحياة. ولي وقفة خاصة في تحليل نصوص الكتب التي أشرت إليها لتبيان ما أضافته للقصة العراقية القصيرة من تجديد وعمق يمس جوهر العراقي كذات في المنفى وفي العراق.. أعمار القصاصين متقاربة اثنان منهم في أمريكا وواحد في البصرة..

    هذا التشخيص يتعلق بما وقع بين يدي من نصوص هؤلاء الكتاب، فعذرا لمن لم أطلع على نصه أو ما كتبه فهنالك الكثير والعراقي معطاء رغم الجهل وقيم مجتمعه المغلق الذي لجأ إلى بنية متخلفة في هذا الزمن بنية العشيرة السابقة للدولة.
    مهاجي30
    مهاجي30
    عضو مجتهد
    عضو مجتهد


    الجنس : ذكر عدد المساهمات : 697
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : http://elmcid.moontada.net/

    الادب والثقافة في العراق Empty رد: الادب والثقافة في العراق

    مُساهمة من طرف مهاجي30 الإثنين سبتمبر 12 2011, 18:09

    سر طغيان السياسي على الثقافي في العراق
    حركة الثقافة العراقية ومجريات أوضاع المثقفين امام تحدي 10 الاف سنة من العطاء.

    عُرِف العراق بأنه موئل الكتاب وسوقه، إذ أنَّ العراقي شغوف بالقراءة حتى لم تكفِهِ مطابعه وإنتاجها، وهو أساسا لا يكتفي بمنتجه المعرفي على الرغم من تنوعه بل اتجه دائما لقراءة النتاج الثقافي الإنساني ما جعل المكتبة العراقية غنية دائما ممتلئة الرفوف بأنواع الكتب الصادرة في محيطه الإقليمي القريب والدولي البعيد...

    وليس غريبا على العراقي بأطيافه ولغاته القومية المتعددة مثل هذا الأمر فهو سليل أجيال أسَّست أول مدرسة وكتبت أول حرف وبَنَت أول مكتبة وكانت عاصمة عالمية للمعرفة حيث زمن دار الحكمة والجامعة المستنصرية..

    ولقد اعتنى العراقيون بسوق الكتب وبمكتباتهم العامة والخاصة والشخصية.. لكنَّ ذلك لم يكن إلا مفردة بين مفردات حركة الثقافة لديهم.. إذ أنَّ أسس حركة الثقافة موجودة في عناية الأسرة العراقية بإرسال أبنائها وبناتها إلى المدرسة وهي الأسرة التي توفر من قوتها البسيط بنزره اليسير نسبة مميزة لشراء الكتاب.. وهي الأسرة ذاتها التي تنقل جينات الموروث الثقافي الثرّ للأجيال الجديدة...

    وكان لهذا الاتساع والاهتمام الشعبي الكبير بالثقافة نتائجه في تصدّر عمالقة المعرفة العلمية والأدبية ونتاج الثقافة إقليميا وإنسانيا.. فمن منّا لا يعرف عبدالجبار عبدالله العراقي بنتاجه العلمي وهو الصابئي المندائي المتنور الذي ظل يحتفي بعراقيته وسمو روحه الوطني هلى كل السمات الأخرى لمفردات هويته؛ ومن منّا لا يعرف عبدالله كوران العراقي بنتاجه الشعري الكردي الخالد أو محمد مهدي الجواهري العراقي بنتاجه الشعري العربي الغزير الخالد.. وكلاهما يرفعان رايات العراق واسمه عاليا...

    والثقافة ممثلة بنتاج أدبي أو معرفي أو بموروث القيم والتقاليد البناءة بهويتها الشعبية تظل سمة لأنسنة أنشطة البشرية ورقيِّها وسموها بمنطقها العقلي التنويري ومُثُله الجمعية المشتركة التي تُعلي من الوجود الاجتماعي للإنسان من دون أنْ تُهمل أو تغفل وجوده الفردي المبدع والمندمج بالجماعة البشرية...

    إذن، لقد احتفى العراقيون بالثقافة إكراما لمنطقها التنويري وإعلائها للعقل وإنتاجه وأثره في توجيه السلوك الاجتماعي بأوسع قيمه.. وبات المجتمع العراقي يُكرم مثقفيه وينزلهم المنزلة العليا منتظرا دوما أنْ يعود ذلك عليه بالصحة وبمعالجة معضلاته ورسم الخطوط الاستراتيجية الكبرى لمسيرته وهويته...

    ولم يكن لوجاهة في المجتمع العراقي أنْ تتقدم على وجاهة الحكيم فيهم أي المثقف صاحب رجاحة العقل وسعة المعرفة ورحابة الصدر وعظيم الخبرة... وذلكم يؤكد أهمية الردّ من جانب المثقف كما هي التقاليد الثقافية الرصينة لتاريخ الثقافة العراقية بعطاء جدي حقيقي ينطبع بلسما في كل مفاصل يوميات العراقي...

    وبعد هذه الكلمات العجلى لابد من توكيد تلك المقولة التاريخية التي رأت في ديمومة انتصار الثقافة العراقية أيام سومر وآلاف سنين الشدائد التي كان العراق فيها ينكسر عسكريا ولكنه يغلب ثقافيا وينتصر لوجوده وهويته معاودا باستمرار مواصلة مسيرته بفضل تلك الخلفية أو ذياك الأساس الثقافي المتين...

    فهل سينطبق هذا التاريخ وعراقته على حاضرنا ومستقبلنا؟
    وهل حركة الثقافة العراقية ما زالت بخير وقادرة على مواصلة مسيرتها المخصوصة؟
    وما إشكالاتها القائمة اليوم؟

    ينبغي قبيل الإجابة عن مثل هذه الأسئلة أنْ نشير إلى أنَّ الثقافة الإنسانية في ظل مراحل نشأة المجتمع البشري انطبعت بالتنوع بحسب إمكانات الاتصال وطبيعة ذاك التفاعل والمتاح له بطريقة مباشرة وغير مباشرة.. فيما هي اليوم تمتاح من حالة التداخل والتقارب والاتصال المباشر بما يكفي للحديث عن الوحدة الإنسانية الكونية التامة في التنوع والاستقلال لكل هوية تمتلك فرصها للعطاء ذاتيا وموضوعيا...

    ونحن نقرأ أوضاع المثقف العراقي، أسّ الثقافة العراقية، وهو في شتات المنافي يساهم بدوره المميز على أساس ما امتلكه من خلفية متينة وقادرة على العطاء والتأثير وهو كذلك نسبيا في الإطار المكاني العراقي بسبب من محاصرته بأدوات معاداة الثقافة وآليات اشتغالها...

    إنَّ حركة الثقافة عامة والعراقية خاصة ليست منجزا شعريا على أهمية هذه المفردة وهي ليست منجزا معرفيا في ميدان تخصصي بعينه وهي ليست مفردات لعلم نفس أو اجتماع أو لعلم أدبي أو لظواهر سلوكية وأدائية اجتماعية بعينها بل هي كل ذلك مجتمعا...

    وعليه فما دام العراق وطنا يشيده (شعب) فلابد لهذا الشعب من نتاج ثقافي يطبع وجوده ومستويات عيشه وآليات حركته... كما ينبغي أن نؤمن بأنَّ مثقفي هذا الشعب يمتلكون الفعاليات والفاعلية في العطاء بمقدار ما يُتاح لهم من فرص العمل وفرص التقديم والعطاء...

    ولأنَّ الشعوب لا تموت، ولأنَّ حركة عطائها الثقافي لا تنقطع.. فإنَّ لهذه المرحلة على أزمويتها وتراجيديتها فرصَ العطاء الثقافي بمعنى وجود العلائق الإنسانية الصحية الصحيحة والسلوكيات القويمة وإنْ تنَحَّتْ بفعل سيادة منطق الجور والظلم وعتيِّ سطوة الطغيان وقسوة العنف والمصادرة المسلحة للطبيعي في يوميات المواطن العراقي...

    ألا ننظر إلى رسوخ العلاقة بين الإنسان العراقي ووطنه واسمه وهويته؟ ألا ننظر إلى ثبات العلائق الاجتماعية الوطنية على الرغم من عنف قوتين همجيتين وهول تخريبهما وتعرضهما لهذه العلائق: الإرهاب والطائفية؟ ألا ننظر إلى عمق جذور القيم السامية لوجود المجتمع العراقي موحدا معتزا بغناه في تنوعه وتعدديته.. وفي احترامه لمكوناته جمعية وفردية؟

    لكن ما يطفو على السطح ليس بالضرورة هو ما يمثل السمة الجوهرية لوجود إنساني بعينه كما في العراق.. وإنما سبب ظهوره وسيادته إنَّما يكمن في فرصة العنف والقوة السلبية في السطو المؤقت على الحياة الإنسانية ومفرداتها إلى جانب وجود أمراض تصيب الثقافة وحركتها ومنتجيها مثلما تصيب الجراثيم الجسم بأمراض بعينها....

    وللحقيقة لابد لنا من الاعتراف بوجود مثل هذه الأمراض في حياتنا الثقافية: حركةَ َ وشخوصا حقيقية ومعنوية [مثقفين ومبدعين وجمعيات وروابط ومنظمات].. وفي ضوء هذا الاعتراف سيمكن قراءة الوضع القائم بتفاصيل قدرات التقدم وعقبات التراجع والاحباط...

    لقد انجلت يوميات العراقي البسيط عن ظروف قاسية من العنف وسطوة القوى المسلحة ما أدى إلى مشاغلته بالتهديد الخطير للآلة الجهنمية التي تستبيح حياته مهددةَ إياه وعائلته ومحيطه بالخراب والدمار المأساويين... وفي ظل مثل هذه الحال نجد العراقي يعاني في محاولاته التشبث بأية قيمة من قيم الاستقرار الإنساني والبناء عليها لقيم العلائق الصحية المنتظرة..

    ومن ذلك ما يخص تشبث العراقي بمكانة العلماء والحكماء المثقفين فيه وإنزالهم منزلة التميّز على الرغم من غبار الراهن وهزات الواقع يوميا وفي كل ساعة بفعل متفجرات لا الموت الجسدي لأبناء العراق بل والخراب الروحي..

    إذ من أين يمكن للعين البحث في جماليات القبح مضافا عليها تراجيديا العنف الدموي التي تستبيح الجسد بعدد ولكنها في الحقيقة تستبيح الروح بأعداد مضاعفة ومفتوحة على ما لا نهاية أي حتى منتهى الوجود الكامل للعراقيين...

    هذه واحدة من أخطر عراقيل أو عقبات الحياة الثقافية.. وكل ما هو موجود بالفعل ليس سوى تشبث ببقايا صور استعدادا لانبعاث قابل مجددا وولادة حيوية تالية. إذ لا تعايش بين الثقافة واللا- استقرار وما يمكن أن نسميه تجاوزا ثقافة العنف والدم والجريمة هو توكيد لحقيقة انتفاء قيم إنسانية صادقة تعتمد خطاب الثقافة...

    إنَّ الذي يجري هو تشويه متعمد وضرب لحركة الثقافة وعطائها وإمكان مواصلتها مسيرتها، طبعا لمصلحة طغيان لا تهمّه إلا مصالحه الخاصة بالمطلق.. في سابقة للعودة لزمن العبودية بطريقة أبشع...

    فما التشوهات التي نرصدها في حركة الثقافة العراقية؟ وما العقبات التي تنال من مثقفينا؟

    إنَّ أخطر تلك التشوهات هي تلك المتعلقة بمفاهيم دخلت حركة الثقافة والثقافة نفسها من بوابة زمن طويل من السحق وعقود من الهيمنة لفلسفة المصادرة والاستلاب ومن ثمَّ رؤى لتفريغ الثقافة من جوهرها الإنساني وتسطيحها وجعلها تتناغم ورغبات مرضية لطبقة تحكمت بالحياة العامة وبيوميات الناس فدفعت بكل بهرجة وتطبيل وأشغال الإبهار الشكلاني لتمثل التناول الذي طفا وسيطر على المشهد الثقافي بعامة..

    وإذا كنّا نؤكد أنَّ ذلك لم يلغِ الثقافة الحقيقية وجوهرها على الرغم من تحييدها وتنحيتها ووضعها على أرصفة التهميش.. فإنَّنا في الوقت ذاته نعترف بسيادة السطحي والمرضي المشوّه وبروزه بكل ما لهذا المشهد من آثار سلبية خطيرة..

    ويمكننا هنا أنْ نرصدَ خطاب الفردنة والشللية والاصطراعات بين موضات وأشكال طارئة وتنافسا محتدما بين تلك الأطراف على أسس سباق مادي رخيص، لا يلتفت إلى / ولا يهتم بـِــ الجوهري لمادة الثقافة الإنسانية من قيم روحية ومنطق عقلي موضوعي يستهدف الجمعي والفردي بطريقة متزنة صحيحة..

    وفي ظل هذا المشهد تحديدا تظهر حالة تقديم خطابات دخيلة على الخطاب الثقافي نظرا لتسطيح هذا الخطاب وتفريغه من جوهره ومحتواه وتطغى آليات الخطابات الدخيلة على آليات الخطاب الثقافي مغيِّبة ذلك أو مهمِّشة حتى لا نرى من ممارسات حركة الثقافة إلا ممارسات داخلة في الخطابات الأخرى وآلياتها كما هو حال تغليب السياسي على الثقافي بوعي أو من دونه وبمعرفة أو من دونها وهو الأمر الذي لا يُتاح راهنيا فرصة معالجته جذريا.. بل نعيش آلامه وجراحه الفاغرة وتداعياته بمزيد من الاحباطات والتفتقات المرضية...

    وإذا سألني سائل عن سرّ طغيان السياسي على الثقافي فإنني أقول: إنَّ ذلك يعود لقرب السياسي من المباشر ومن الإجرائي والعملي التطبيقي في يوميات الإنسان العادي منه إلى بُعد الثقافي عن العملانية الإجرائية ودخوله في التنظيري الفلسفي فضلا عن حاجة فرص نتائجه لمديات زمنية بعيدة قبل أن تبدو متمظهرة في شكل سلوكي أو عادة أو تقليد أو شعيرة أو ما شابه...

    فالثقافة ليست قرارا إداريا ولا تخضع لمثل هذه الأمور الإجرائية؛ وحركة الثقافة محكومة بحركة المجتمع البشري وعوامل فاعليته أو تلكؤه وعرقلته وما يكتنفه من ثغرات... وفي ضوء ذلك سنجد النتيجة في مجتمع جرت عملية تشويه القيم فيه متجهة نحو كفة التشويه أو واقعة في كفة الاستسهال من جهة وسمات الهروب فضلا عن خلط الأوراق والخطابات بطريقة غير موضوعية...

    في مثل هذه الأجواء نلاحظ أن الجماعة الثقافية لا تظهر في ضوء جوهر إبداعي وقيم روحية عميقة بقدر ما تظهر على أسس لقاء شللي [من الشلّة أيّ الجماعة المرضية أو الطارئة] طارئ سرعان ما ينهار بالانتقال للممارسة الحياتية... وبدل من التعبير عن الجماعة التي تنسجم ومذهب أدبي أو فني أو فكري أو آلية أو طريقة للتعبير عن نشاط أو فعل إنساني عميق سنصطدم بشلّة لا جامع بينها إلا حالات من الادعاء أو المستهدفات العرضية المؤقتة.. وتلكم من عقبات حركة الثقافة وتنظيمها...

    وهذه الأجواء هي بالضبط ما تحتوي على فردنة الأمور وظهور الحساسيات المرضية ونوازع الاختلاف والتشظي والتقاطعات والاصطدامات التناقضية بين أغراض الأفراد وتطلعاتهم ورغباتهم ومواقفهم الشخصية في الأنشطة والعلاقات وهذا ما ينعكس سلبا على تطور العلاقات الاجتماعية واستقرارها وعلى توافر أجواء تطور الحياة الروحية الثقافية...

    فيما يكون من الطبيعي أن تميل حركة الثقافة لتشكيل أطر تنظيمية مناسبة لها بسبب من العلاقة المكينة بين الثقافة والعمل الجمعي المنظم بوصفه العمل الأنسب للتعبير عن فعالية الخلق الثقافي، ولكنها لن تنجح في هذا من دون ضوابط ومحددات حضارية تتناسب والمستوى الراقي المميز لمعنى ثقافة ومن دون تجنّب ما أشرنا إليه من أمراض الشللية والفردنة أو الشخصنة المرضية في أغلب أحوالها...

    ويمكن التمثيل لقضية محاولات العمل من أجل ولادة تنظيم للثقافة العراقية بصيغ الروابط والجمعيات والمؤسسات والبرلمانات والجماعات الثقافية بأية مناهج أو آليات عمل، فنجد أنَّ أغلب تلك المحاولات باءت بالنهايات السريعة والتوقف عن مواصلة المشوار حتى بات كثير ممن تابع تلك التجاريب في حالة إحباط وهلع من ولادة أية تجربة جديدة...

    ونضيف هنا ظهور نتائج عرضية من نمط التشكك والظنية بالآخر الذي يواصل مشوار التحدي والمحاولة فيـَـصِل إلى موضع التأويل ومن ثم اتخاذ موقف خاطئ في ضوء المنطلق التأويلي المعوج الخاطئ.. وتتحطم علائق جدية وتنخلق حواجز تطفو منها حال التمزق ومشهد التشتت والتشرذم..

    وبخلاصة القول فإنَّ مجموع تلك السمات المرضية متأتية من شتات جغرافي للمثقف العراقي وتوزع بيئة الحاضن الثقافي بين ثقافات تختلف تماما في خلفياتها القيمية وأشكال تمظهرها. كما أن الجاليات العراقية التي يتصل بها المثقف ومنتجه لم تستقر بعد بوصفها كيانا بهوية مخصوصة ويمكنها أن تتوجه لهذا المنتج أو تعقد الصلات معه...

    إنَّ جملة الشروط المادية بالمعنى الواسع للمصطلح تظل عبر تشوهاتها غير قادرة عل توفير الحاضن المجتمعي لحركة ثقافية بالمستوى المميز نفسه للمثقف العراقي.. ومن هنا فإنَّ الثغرة أو المسافة بينهما تظل شاسعة بعيدة لا يمكن أن يتحقق في ظلها نجاح جدي منشود..

    إنَّ العلاج المنتظر لن يكون إلا بكفالة علاقة متينة مع وطن مستقر الأوضاع ومنظمات وجمعيات ثقافية وطنية يدعمها واقع حافل بالعلائق الصحية الصائبة بين الشعب جمهورا للفعالية الثقافية ومنتجها القيمي..

    وتطبيق هذه الحالة يكمن في فروع لحركة الثقافة وتجلياتها سواء تنظيما موحدا أو مستقلا مدعوما بما يكفي له لإدامة دورة الانتاج والإبداع في مجالات الثقافة كافة...

    وكل ما عدا ذلك سيبقى عقبة تثير الإحباط واليأس أو في أفضل أحواله مجرد ومضة طارئة تمضي بلا نتائج ذات شأن وديمومة ما سيعني انقطاع مسيرة حركة الثقافة بهويتها العراقية.. وذلكم ما سيكون سابقة خطيرة أولى بعد تاريخ 10 آلاف عام من العطاء!!!

    ولهذه المقاربة متابعة مثلما يطلب كاتبها أولا: رؤى الآخرين في أسئلة حركة الثقافة العراقية؟
    مهاجي30
    مهاجي30
    عضو مجتهد
    عضو مجتهد


    الجنس : ذكر عدد المساهمات : 697
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : http://elmcid.moontada.net/

    الادب والثقافة في العراق Empty رد: الادب والثقافة في العراق

    مُساهمة من طرف مهاجي30 الإثنين سبتمبر 12 2011, 18:10

    حول خطاب الثقافة العراقية وحُسن قراءة العالم

    ( إن استحالة تقديم الوهم للناس تنتمي إلى نفس نوعية استحالة إعادة اكتشاف مستوى مطلق للحقيقة ..)
    جان بودريار ( الصور الزائفة )

    عبر حكم الأنظمة الشمولية العتيدة ، هناك ما يوازي إنجازاتها المدروسة في تحطيم الإنسان والقيم والمجتمع ، ألا وهو إنكارها الزائف للثقافة بوصفها قيمة تحررية مناهضة للطغيان ، وسعيها الأبدي لتحويل المعرفة الإنسانية إلى نسق كلياني أوحد ، يسمح لها بتمرير التشدد السياسي لعقيدة ما إلى مختلف الأنشطة والممارسات الثقافية . وحيث يشمل ذلك كل المجالات والمعاني الادراكية والأخلاقية والتعبيرية ، تخضع الثقافة كغيرها من الممارسات الواعية إلى مختلف صور الإرهاب والإنكار والتشويه والاعتقال ، وبأسلوب مراوغ يدعي التحديث الحزبي للأطر التقليدية التي تخالف أهداف الحزب ومرجعياته .

    ورغم النجاحات الباهرة التي أحرزتها الأنظمة الشمولية في ميادين حروبها الدموية مع الأفراد والجماعات والمفاهيم والقيم ، لا تكتفي سلطة الحزب / الدولة بتبديل تلك الأطر والأشكال والممارسات المدنية ، إنما تجاهد لتدمير البنى الفاعلة في حياة الإنسان ، من خلال سعيها المغامر لتنفيذ مشروعها الأمثل في تهشيم الجوهر الإنساني المغاير وإلغائه . لذا عادة ما تضطر الثقافة تحت ضغط الأنظمة القمعية المغلقة إلى الهجرة -كما البشر - نحو ضفاف آمنة ، فتجرب حظها في حياة المنافي . تنزع بعض هويتها لتلبس جواز الانشقاق والمعارضة .

    هكذا نرى أن الثقافة العراقية في عقود حياتها المريرة مع الدكتاتورية ، عانت ككل أشكال الحياة الأخرى من اضطهاد عنيف واستلاب قسري ، بسببه تعرضت هي ورموزها إلى حرمانات طويلة تركت ظلالها القاتمة على المشهد العراقي برمته . لكن من الإنصاف القول أن الثقافة العراقية لم تكن ذات حظ وافر يوما ما منذ تأسيس الدولة العراقية حتى يومنا هذا ، إلا في فترات محدودة جدا ، انتعشت فيها لأسباب غير ثقافية غالبا . الأمر الذي جعل خطابها الإبداعي معزولا عن لحظاته التنويرية التي تفتحت هنا وهناك من دون أن يتاح لها النضج في أي مشروع معرفي مكتمل ذي تأثير بارز .

    ولم يكن المثقف العراقي هو الآخر بمنأى عن هذه التشوهات التي طالت الحياة بسعتها ، خاصة حينما تورط في عقد شراكة ما مع برامج السلطة السياسية ، وهي المحترفة في لعبة تغير رقعة الشطرنج من حوله ليبدو مثقفنا ( الثوري ) و ( اللاثوري ) الذي قيل دوما انه ضحية أفكاره ، اشد المدافعين عن مشروعها ، بعد أن غادر خطابه الطليعي حقل المراهنة على نجاح الغايات الوطنية والتعددية الأيديولوجية وقضايا التحرر في معترك الأزمات العنيفة للحياة العراقية .

    وليس خافيا انه خلال مخاضات العقود الثلاثة الماضية ، كان البعض قد تصور ، فيما ادعى البعض الآخر ، إن السلطة هذه تمثل جلَّ طموحاته الثقافية ومبادئه السياسية ، بينما انقسم الجمع المتبقي بين مشارك صغير ومعارض هامشي . وقد تواصلت الإشكالية الثقافية تلك بألوان وأشكال متغايرة الخواص ، بين رياح مدٍ وجزر ، إلى أن ختمت أزمات السلطة السياسية وحروبها المأساوية على بقايا الصورة الإعلامية الخادعة التي بدا أنها تهشمت قبيل ذلك بسنوات في بشائر ثقافة ظل مشاكسة ، شكلت فيما بعد جزءا هاما من طبيعة الصراع الثقافي الذي على أيديها قد ترتسم في ثناياه صورة مستقبل الثقافة العراقية .

    في حال أمعنا النظر في جانب آخر من جوانب المحنة العراقية التي خلفتها الحقبة الدكتاتورية على لائحة المعرفة الاجتماعية وثيقة الارتباط بالثقافة عامة ، سنجد أننا أمام إشكالية كبيرة تتمثل في الأمية المتفشية خلال عقود طويلة من التجهيل تسببت بانهيار قيمي واعتباري لكل ما يمت لقطاعات التعليم بصلة داخل صيرورة المجتمع العراقي . وفقا لذلك قد لا يمكننا الحديث عن أحوال الثقافة في مجتمع انحدرت فيه القيمة التعليمية والتربوية إلى أدنى مستوياتها بمعزل عن تشخيص العوائق التي تجعل اغلب المثقفين غير متخلين عن نخبويتهم بعد أن أضل خطابهم الثقافي علامات الطريق إلى وجدان الناس ، مكتفيا بمساحات فردية مغلقة ، أعدمت فيها مظاهر التواصل الإيجابي والتبادل الحر مع من يراد تمثيلهم في حقل الممارسة الثقافية .

    ورغم المزاعم والشجون التي قد يثيرها الحديث عن انعدام الصلة الحميمة بين التثقيف والتعليم في العراق ، يبدو لنا أن ثمة فرصة سانحة لإعادة إنتاج وبث تاريخ الثقافة العراقية في المناهج التعليمية والتربوية عامة ، والتي كانت قد حفّظَت متلقيها بتلقين قسري أسماء كل شعراء الحزب والثورة ، من دون أن تعرف يوما أن في سمائها حشد بارز من أعلام الفكر والإبداع العراقي في شتى ميادين المعرفة والأدب والفن .

    ستحتاج الثقافة إلى أن تتفشى كما يتفشى الجهل ، قبل أن تتصف حياتنا بالعقم والخمول ، لا سيما وان الخطاب الثقافي العراقي يحاول في ضوء المتغيرات السياسية التي تعصف بحياتنا الآن ، أن يتلمس الطريق الموصلة إلى إقصاء كل أشكال الثقافة الحزبية سيئة الصيت ، مجربا منح ثقافة الحوار والشفافية الفكرية فرصة أن تحيا بعيدا عن شهوة الرقابة والانجراف وراء السلطة المتسترة تحت عناوين العنف الرمزي وآلياته المتحالفة . ولن يصبح متاحا ذلك من دون سعي العملية الثقافية الراهنة إلى امتلاك قدرا من الاستقلال والحرية ، يكون بوسعه إذكاء الإمكانيات المخلصة واستنفار طاقاتها الحقة في رسم سياسات جديدة تستند إلى جملة من الأسس والمعايير والمفاهيم المسؤولة عن إعطاء الثقافة هويتها التنويرية في مناخات تتطلع لقيام مجتمع مدني حديث ، بعيدا عن أية فروض أو برامج مؤسساتية تجعل من المثقف موظفا هامشيا يعتاش على نفقة الوزارة ، في الوقت الذي تتطلب الشفافية الثقافية هنا قدرا آخر من الممارسة المستقلة والفاعلة عبر اختيار الثقافة لمؤسساتها واتحاداتها ونقاباتها ومجالسها غير الاستهلاكية . ويمكنها فيما بعد أن تأخذ على عاتقها وبخبراتها الواسعة مهمة إعادة تعريف الجهاز المفاهيمي الملتبس لجملة علائق ووقائع لا تنفصل عن مجمل التحولات الجدلية المتلاحقة عن صور المثقف والسلطة والعالم .

    هكذا نستدل ،كأناس فاعلين ، إلى إيجاد روابط وآليات وطموحات غير طوباوية وسط الأفكار وبها ، حيث يكون علينا إدراك أن ( الأفكار تكتسب أهميتها لا من كونها تكشف عن الحقيقة ، أو عن الواقع الموضوعي ، بل من كونها تسهم في إنتاج الحقائق ) 1نفسها .

    لكن في الوقت عينه ليس من مصلحتنا اليوم إعادة إنتاج المشكلات والمصاعب في إطار صياغات فكرية استهلكت مرارا فيما خلقته لنفسها من مشاريع وأوهام شعاراتية ، فـ ( حيث عملت النخبة على توعية الجماهير ، ازدادت الأخيرة تبعية وهامشية ، وكيفما شُكلت أنظمة سياسية على يد النخب أو باسمها ، كانت هي الأسوأ . ومكمن العلة هنا ليس في الجماهير ولا في الواقع ، بل في ثنائية الطليعة والجماهير ، أو النخبة والعامة ، أو الحزب والأمة . إن مثل هذه الثنائيات تكشفت عن عيوبها وفقدت مصداقيتها كإطار للرؤية أو كأداة للعمل ..)2 .

    بمعنى آخر يلزمنا التفكير بإعادة بناء البيت العراقي وترتيبه ، بعناية شاملة تمسك بكل مكامن الخلل الواقعي الراهن ، وتعيد قراءة الصورة من الداخل ، من مقاعد الدراسة إلى كراسي الحكم ومن السوق الشعبي إلى البنى الاقتصادية ومن العادات إلى المفاهيم ، من دون أن يرتكن عملها هذا إلى التأكيد على تلميع إحدى غرف البيت ، بطريقة تسمح لها أن تبدو ديكورا خادعا يظهر سلامة البيت من زاوية مموهة .

    لذا ستكون عملية ترسيم خطاطة عراقية لطريقة إرساء دعائم المجتمع المدني مطلبا سياسيا واقتصاديا وثقافيا بقدر يتساوى في الأهمية ويتناغم في الهدف والإنجاز . خاصة ونحن نواجه انهيارات لا حد لها تطال اشد مفاصل حياتنا حساسية ، إلى الدرجة التي تجعل المشكل العراقي عصيا على التناول المفهومي . فبعد خلط سئ للأوراق ، جرى تشويش متعمد للعديد من المفاهيم : الوطن ، العدالة الحرية ، الهوية ، لدى مختلف الشرائح العراقية التي تكابد في صراعاتها الحالية للاعتراف بحق الآخر في أن يحيا داخل وطنه مستشعرا للمرة الأولى معنى أن يمتلك حقا في لوائح حقوق الإنسان العالمية .

    أليس من مهام الثقافة بشكل عام ، بوصفها ركنا حيويا من أركان المجتمع المدني ، إشاعة مناخات عصرية منفتحة تسمح بالتعبير عن فرادة الآخر وتمايزه بعيدا عن النزعات الطائفية والأيديولوجية الضيقة ، ليكون بمستطاعها تبني ما يوائمها من المفاهيم المجتمعية داخل منظموتها المرنة على نحو تنويري يتيح للجميع ممارسة حقوقهم ويؤمن لهم ضفاف العيش بسلام ، طالما " إن الحرية في النهاية فضاء تداولي نسهم في خلقه أو توسيعه " بتعبير علي حرب .

    لا شك أن الحداثة الثقافية إذا ما جرى تفعليها على أساس العلاقة بين عملية التحديث الاجتماعي من ناحية ، وبين التطور الثقافي من ناحية أخرى ، فإنها قادرة على إخضاع شؤون الحياة لضرورات النظام تحت ضغط التناغم مع آليات النمو الاقتصادي والإنجازات التنظيمية للدولة الحديثة ، مع الإشارة بالطبع أهمية تصور آخر يرى في الحداثة وما بعدها مشروعا استهلاكيا أو ( أنها الطريقة التي يحلم العالم فيها أن يصبح أمريكيا )3 بوصف " ستيوارت هال ".

    وبوسعنا أن نرى كيف إن التزام الثقافة في البلدان الغربية اصبح وثيق الارتباط بنجاح مشروع التحديث في أتون الحياة الراهنة ، رغم الانتقادات التي يوجهها ( هابرماس ) لمشروع حداثة لم يكتمل ، اخترقته صراعات قوية ، ليصبح فيما بعد إحدى عقائد المحافظين . ورغم أن أمرا كهذا يحدث في مجتمعات تتسم بالنمو العقلاني والاستقرار النسبي والتوازن المؤسساتي على مختلف الصعد ، لكنه لن يكون سهلا بالنسبة لمجتمع يجهل مضار النمط الاستهلاكي لأنه لم يجرب بعد تذوق حسناته .

    خلاصة القول ، أن جدارتنا في قراءة الحدث السياسي الراهن وهضم تداعياته وتفاعلاته الواقعة والمحتملة ، بطريقة كلية ، أوسع من التحزب والتحيز واقرب إلى الحوار والشفافية ، قد تؤهلنا في نتائجها المحصلة إلى استشراف مستقبل العراق الجديد في خطاب الثقافة والسوسيولوجيا والاقتصاد والسياسة . ذلك الخطاب الذي من أجل بلورة مواقفه الحقيقية غير المهادنة ، سيقتضي منا حسن قراءة العالم حولنا ، من زاوية عقلانية ، وثيقة الصلة بواقعية الحدث العراقي وراهنيته .
    مهاجي30
    مهاجي30
    عضو مجتهد
    عضو مجتهد


    الجنس : ذكر عدد المساهمات : 697
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : http://elmcid.moontada.net/

    الادب والثقافة في العراق Empty رد: الادب والثقافة في العراق

    مُساهمة من طرف مهاجي30 الإثنين سبتمبر 12 2011, 18:11

    الثقافة العراقية الآن؟؟؟

    اعتقد عزيزي القارىء أنه للوصول الى الديمقراطية الحقيقية في العراق لابد أولاً من نشر ثقافة الديمقراطية والتوعية الشاملة بالحقوق والواجيات وآليات الممارسة الديمقراطية، وإلا تحول الوضع إلى ما يشبه الفوضى السياسية والاجتماعية اليس كذلك؟؟

    ترى إلى أين وصلت الثقافة العراقية الآن؟؟ هل ترون أنه تم نشر ثقافة الديمقراطية أم لا زلنا في منتصف الطريق؟؟
    يوسف جلال يثير هذه الإشكالية في مقاله "الثقافة العراقية الآن " بقوله:

    تأمُّل واقع الثقافة العراقية الآن، يُفضي إلى أنها ثقافة ملتبسة، لا بمفاهيمها وحسب، بل في سياق حركتها. إنها تشبه بندول الساعة الذي يتراقص يمينا، وشمالا. اليمين حيث الطابور (الجمع) أمام عصا الراعي المطلق، والشمال حيث الوعد بسلطة العقل (الفرد).

    بين مدّ ذا، وجزر ذاك، تتحرك الثقافة العراقية، لتتداخل منظومة القيم السلبية التي كانت، ومنظومة القيم الإيجابية التي تتكون، بعضهما مع بعض. غير أن القيم السلبية توجد بكونها محتوًى تشكل على أرض الواقع المرير، في حين لا تزال القيم الإيجابية، في أغلبها، خطابًا مجردًا من التطلعات والأماني والأمل في دولة عادلة، يصارع فيها العقل المبدع عدوه الأزلي العقل التابع.

    دولة من ورق!

    لا تزال الدولة العراقية موجودة في العقل السياسي، لم تخرج بعد لتقيم كياناتها على أرض الواقع. خطت الدولة العراقية خطوات جبارة على الورق، ورسمت إطارًا نظريًا قانونيًا لشكل حكمنا، وهو ما يحدث أول مرة في تاريخ العراق.

    الشكل المؤسسي للسلطات الثلاث التي تفصل بينها حدود دستورية، هو أهم ما يميز التجربة الجديدة، أعني السلطة التشريعية، والقضائية والتنفيذية. غير أن هذا الشكل لا يزال يُخفي محتواه، إنه كالشعر، ذات منقطعة عن موضوعها، وهو الواقع. فمثلا لدينا، نظريا، رئيس جمهورية، ولكن الواقع السياسي النافذ أكثر من المهاد القانوني، يقول لنا إن العراق يحكمه ثلاثة رؤساء للجمهورية، فالفيتو الذي يرفعه واحد من الثلاثة سيعطل ما يراه الآخران.

    إن مجلس الرئاسة عندنا، هو أقرب إلى مجلس الأمن الدولي منه إلى محتوًى للدولة الديمقراطية الحقة، بل هو نوع من أنواع الدكتاتورية التوافقية. ولا يعني ذلك أن الرئيس ضعيف، بل على العكس من ذلك، إنه الأكثر حكمة وقوة، وسيكتشفه العراقيون لاحقا، وإنما يعود الأمر إلى طبيعة المقايضة بين الأطراف السياسية.

    مثال آخر: لقد صوت الشعب على الدستور، غير أن الأطراف السياسية المقايضة تنظر إليه أشبه بكتاب مغلق، ما تمكن تسميته بدرجة صفر الديمقراطية، على عبارة المفكر الفرنسي رولان بارت المعدلة. في ظل ذلك تنكفئ الثقافة، لأن خطابها يظل متغرّبًا عن واقع مشدود إلى المقايضة، ومن ثـَمَّ، تتسرب منظومة القيم الرعوية في خطاب القيم الجديدة على الدوام. سنضرب مثلين على هذا التسرّب.

    يوم الإدارة والاقتصاد

    أخيرًا صار لكلية الإدارة والاقتصاد يوم تحتفل فيه. لقد ظلت تلك الكلية عقودًا بلا يوم، حتى حانت اللحظة التاريخية بزيارة السيد نائب رئيس الجمهورية لها. وقطعًا لو أن الزيارة لم تتم لظلت الكلية بلا يوم.

    أي تجربة ديمقراطية نعيش؟ وهي تقول لنا إن المسؤول، أيًا كان مستواه، هو موظف خدمة، وهذا يعني أن عميد كلية الإدارة والاقتصاد هو موظف خدمة، مثله كمثل رئيسي الجمهورية، ورئيس الوزراء، مع اختلاف في الموقع الذي يشغله، فمن أعطاه الحق في أنْ يعلن يوم الكلية بزيارة موظف خدمة آخر؟ وهل ناقش مجلس الكلية ذلك؟ أشك. إذا كان يوم الكلية هو أقرب إلى معنى اليوم التاريخي، أفليس الأجدر أن يفتش عن يوم يرتبط بحركة تاريخ الكلية، تأسيسها، يومها العلمي، تحولها من قسم إلى كلية، البدء بتحويلها إلى جامعة، نشرها لأنسكلوبيديا… إلخ.

    من أين جاء هذا الأمر الغريب؟ من أيام الدكتاتور الجاهل الذي كانت زيارته لأي مرفق هو يوم لها! حتى ارتبط الزمان العراقي بحركة قدميه المباركتين! فتشوا عن ذلك، والتاريخ قريب. والسيد نائب رئيس الجمهورية رجل مسلم جاء ليتشرف بخدمة الناس، لا ليشرف الناس بخدمته، فهل فاته، أو مستشاريه، أنْ يرد على العميد ردا جميلا؟ أجمل من ذلك اليوم الوهميّ الذي لن يحتفل فيه أحد أبدا! والسيد وزير التعليم العراقي الذي كان حاضرًا، ألم يكن من الأجدى أنْ يدافع عن مؤسسات وزارته التي لا بد أنها ستحتفل، إنْ غزتها الزيارات، بأيام، بعدد المسؤولين الأعلين! أما العميد فعليه واجب أخلاقي، هو أنْ يحتفل بالزيارة الميمونة كل عام، وإلا فإنه قالها لمآرب أخرى!

    على أبواب الحكومة

    لا أحد منا ينسى ذلك الطابور من المثقفين، أدباء وفنانين، وصحفيين، وهم يسيرون بظهور محنية في ممر اللجنة الأولمبية ليأخذوا أعطياتهم، وفق الجداول المرسومة. لا أحد منا ينسى قوائم تصنيف الأدباء والفنانين على درجات- ا- ب- ج- للأعطيات المتدرجة، والصراع اللا أخلاقي المرير للانتقال من صنف إلى أعلى.

    لا أحد منا ينسى التزاحم، بالأنكاب، على أبواب قاعات المناسبات المفتعلة، حلمًا بالغنيمة القادمة، التي تتنوع بتنوع رضا الواهب عن الأداء، أو عن لحظة مزاجه، فقد تكون شقة في باريس، وإعفاء زوج البنت من الخدمة العسكرية، رغم أن شاعر الأعطية هذا- الذي دَرَّسَ في الحلة- لـُقب بشاعر أم المعارك! هذا التدافع على أبواب الواهب قضى على أي إحساس بالذات، وجعل الجميع في حال اصطفاف غبي.

    الآن ما ينبغي فعله، هو عكس قيم المنظومة السلبية فقط، أن تقف الحكومة على أبواب المثقفين، أعني أن تصبح المؤسسة الثقافية من القوة والتأثير بحيث يحسب لها موظفو الخدمة الكبار ألف حساب. لكن ما يجري على أرض الواقع، هو أن مثقفي العراق لا يزالون يرغبون، أو يحنون إلى الوقوف على أبواب الحكومة، حتى إن دعوة للاجتماع برئيس من الرؤساء، تعني أن الظروف الخضراء في انتظار توزيعها.

    سيكون لنا محتوى ثقافي حين نقلب تلك القيمة المطلقة، وقوف الناس على أبواب الحكومة، إلى قيمة نسبية، تقف فيها الحكومة على أبواب الناس، تطرق في الصيغة الديمقراطية الحقة، أبوابهم، بل تتوسل إليهم من أجل إبقائها في السلطة، وما يوم انتخابات مجالس المحافظات ببعيد.

    إن الإشارات العديدة لسلبيات الثقافة العراقية، لا تمنع من الالتفات إلى الوجه الآخر للصراع الثقافي القائم على تصادم المنظومتين المذكورتين آنفا، وهو وجه الثقافة العراقية الجديد. وإذا كان المقام لا يكفي لتعداد أوجه الفعل الثقافي للعراق الجديد، فسنكتفي بالإشارة إلى جانب من هذا الوجه.

    المركز والأطراف

    استعاد مهرجان «المربد» وضعه الطبيعي، ليكون بصْرِيًا خالصًا، بعد أن ظل عقودًا طويلة، تحت عباءة وكالة الدعاية، وإلى جواره انبثقت مهرجانات أخرى، كمهرجان المتنبي في واسط، ومهرجان الحبوبي في الناصرية، ومهرجان الجواهري في النجف الأشرف، وعُقد في ميسان أول مهرجان للأفلام الوثائقية العراقية، إنها إشارات تعني، في ما تعني، عودة الروح إلى الأطراف التي تيبست بفعل النظام الذي نشب أظافره المدماة في كل شيء، بعيدًا كان أو قريبا.

    معايشة الواقع الثقافي العراقي، تشير إلى عكس الاتجاه القديم، حيث بدأ زحف ثقافة الأطراف في اتجاه المركز، أو الذي كان مركزًا متصلبا، لنشهد حركة ثقافية ملحوظة، وصار تدفق النشر المتنوع لاحدود له، كما أن النشاط الثقافي الأكاديمي في جامعات الأطراف، وانفتاح حركة النشر هناك، قد أديا إلى محو جزء من الحدود الفاصلة بين الثقافتين، الأكاديمية والعامة.

    كل هذا يجري مع سقوط الجدار الحديدي الذي كان يطوّق النشر الألكتروني. لقد انفتحت شبكة الاتصالات العالمية (الأنترنت) على كل نقطة في فضاء مكبوت، وصار في إمكان منفيّي، وضحايا الستار الحديدي، من مثقفين ومبدعين في الخارج، أنْ يطلوا بعقولهم وأبصارهم على وطنهم كل لحظة. وهكذا نلمس انقلابًا (طبيعيًا، وليس صناعيًا) في بنية الثقافة العراقية، رغم الحبال الغليظة التي تشدها إلى منظومة القيم السلبية.

    واختتم الكاتب بقوله الذي نشر في مجلة الاسبوعية : سيظل الصراع قائمًا بين المنظومتين الثقافيتين في العراق، وبإيماننا أن الحرية منتجة، فإن ميزان القوى سيميل، بل مال، إلى جهة العراق الجديد، وستهزم السنوات القليلة المقبلة، عقودًا من التخلف لثقافة الرقيب، وأجَراء المناسبات، وكتاب التقارير.
    مهاجي30
    مهاجي30
    عضو مجتهد
    عضو مجتهد


    الجنس : ذكر عدد المساهمات : 697
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : http://elmcid.moontada.net/

    الادب والثقافة في العراق Empty رد: الادب والثقافة في العراق

    مُساهمة من طرف مهاجي30 الإثنين سبتمبر 12 2011, 18:13

    «سخاء» صدّام والتجاهل العربي عزلا الأدب العراقي الحديث

    صلاح حسن : لو قمنا بإحصاء عدد الجوائز الأدبية العربية التي نالها مبدعون عراقيون طلية الخمسين سنة الماضية، فإننا سنصاب بالدهشة والخوف معاً بسبب العدد القليل من الجوائز التي قدمت لهؤلاء المبدعين والتي لا يتجاوز عددها سوى ثلاث فاز بها الشاعر سعدي يوسف «سحبت منه في ما بعد» والشاعر حسب الشيخ جعفر والقاص والكاتب محمد خضير بالإضافة إلى جوائز صغيرة قليلة أيضاً يفوز بها بين وقت وآخر شاعر شاب أو كاتب مسرحي مغمور لا يمكن ضمها إلى هذه الجوائز الكبيرة.

    الأسباب وراء هذه الظاهرة الغريبة كثيرة ويتحملها أكثر من طرف من العراقيين ومن مانحي الجوائز أنفسهم والأسباب السياسية هي من أهم هذه الأسباب، خلال حياة الديكتاتور وبعدها وخلال حياة حلفائه وبعدها وخلال حياة أعدائه وبعدها. بعد فشل الجبهة الوطنية بين حزب البعث والحزب الشيوعي العراقي هاجر عدد كبير من المثقفين العراقيين هرباً من بطش الطاغية المقبور فلم يبق في العراق سوى أتباعه. أما غير المنتمين فقد صمتوا أو هجروا الكتابة خوفاً على حياتهم وحياة أطفالهم. وكما هو معروف، فإن حزب البعث لم يقدم للساحة العراقية الثقافية أي اسم مهم في مجال الإبداع باستثناء الشاعر سامي مهدي.

    حلفاء الديكتاتور من مانحي الجوائز وغيرهم من المانحين لم يفكروا يوماً بتقديم جائزة لمبدع عراقي معارض لأنهم يعرفون النتيجة التي ستترتب على ذلك، فالجوائز التي حصل عليها سعدي وحسب ومحمد خضير كلها كانت بعد الاحتلال الأميركي للعراق، أي بعد سقوط صدام. الأعداء كذلك لم يقدموا أية جائزة لأي مبدع عراقي لأنهم يخافون أن تحسب هذه الجائزة للعراق وقد يساء تفسير الرسالة التي تقدمها الجائزة، وبالتالي فالخاسر الوحيد من كل ذلك هو المبدع العراقي. الطامة الكبرى الآن أن يتذرع بعض مانحي الجوائز دولاً وأفراداً بوجود الاحتلال الأميركي في العراق، وبالتالي فإن كل العراقيين مسؤولون عن هذا الوضع الشاذ بمن فيهم المثقفون الذين عوقبوا جميعاً لذنب لم يرتكبوه!

    على العكس من ذلك، انشأ الديكتاتور عدداً كبيراً من الجوائز الأدبية والفنية والعلمية حتى وقدمها لأدباء عرب من مختلف الدول العربية كان الكثير منهم يحلم بالحصول عليها لقيمتها المادية الكبيرة والجميع يذكر قصة الكاتب المصري يوسف إدريس الذي فاز بالجائزة في إحدى السنوات وطلب أن تحول المئة ألف دينار العراقي إلى دولار لأنها ستصبح أكثر من ثلاثمئة ألف دولار «كان الدينار العراقي في تلك الفترة يساوي ثلاثة دولارات ونصف الدولار».

    في عام 1996 ألغى الديكتاتور جميع الجوائز الأدبية وأنشأ جائزة موحدة كبرى سماها «جائزة صدام للعلوم والآداب والفنون» تمنح مع وسام خاص وتبلغ قيمتها ملايين الدولارات فاز بجائزتها الكبرى المفكر المغربي محمد عابد الجابري، ويؤكد الكثير من المثقفين العراقيين انه قبلها من دون الإعلان عن ذلك، إذ حضر إلى العراق وقابل صدام شخصياً بعد مؤتمر عقد في بغداد. على الأغلب، نال الجابري هذه الجائزة عن كتابه «نقد العقل العربي» الذي يفاضل فيه بين البرهان والعرفان، وهو كما يعرف الكثير من القراء يحفل بطائفية مقيتة كانت تدغدغ مشاعر الديكتاتور.

    لن يحصل الشعراء والكتاب العراقيون على جوائز عربية ليس لأن ما يكتبونه غير صالح للجوائز أو لا يستحق الجوائز، بل لأنهم لا يعرفون كيف يسوقون أنفسهم إلى القراء والناشرين ومانحي الجوائز ولن يسعوا إلى ذلك في المستقبل وكل الذين فازوا بجوائز قيّمة لم يرشحوا أنفسهم. فهذا سعدي يوسف الذي يعيش في لندن لا يرد حتى على الهاتف. أما حسب الشيخ جعفر فلا يفارق البيت منذ عودته من عمان بسبب مرضه وقلة اختلاطه بالناس، ومحمد خضير لا يفارق البصرة إلا لظروف قاهرة... فكيف يمكن أن ينال جائزة أشخاص بهذه الحساسية؟

    مضت سنون على ظهور جائزة البوكر العربية ولم يرشح أي كاتب عراقي لها، لا في القائمة الطويلة ولا القصيرة على رغم ظهور روايات عراقية مذهلة خلال السنوات القليلة الماضية.

    أين يكمن الخلل؟
    هل هو في الناشرين أم في الموزعين أم في السياسة الطائفية التي تعتمدها بعض المؤسسات المشرفة على هذه الجوائز؟

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28 2024, 20:39