بسم الله الرحمن الرحيم
- السؤال: قرأت في إحدى الصحف الكويتية مقالا لكاتب يهاجم فيه قانون تحريم الخمر الذي نعده مفخرة لحكومة الكويت وبرلمانها ويقول الكاتب: إن الله نهى في كتابه عن الخمر ولكنه لم يحرمها، والعجيب أن أحد الحاضرين أيد هذا الكلام ، وطالبني بنص صريح من القرآن يقول: إن الخمر حرام، فلما لم يسعفني حفظي للقرآن ذكرت له بعض الأحاديث التي فيها لعن الخمر وشاربها وعاصرها وحاملها …الخ، فقال صاحبي: أنا أريد نصًا من القرآن لا من الحديث، فهل صحيح أن القرآن لم يحرم الخمر؟ وما حكم من يزعم ذلك ؟
- جواب العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد..
قلت في مثل هذا الموضوع في فتوى سابقة :
إن من أعظم الفتن تحويل الأمور القاطعة إلي أمور محتملة ، وجعل الأمور المجمع عليها أمورًا مختلفًا فيها، وهذا يصدق بوضوح على تحريم الخمر الذي أجمعت عليه الأمة الإسلامية جيلا بعد جيل . وأصبح معلومًا من دين الإسلام بالضرورة ، بحيث لا يحتاج إلى مناقشة ولا دليل كوجوب الصلاة والزكاة ، وكحرمة الزنا والربا.
ومن الخطر أن ننقاد غافلين للهدامين الذين يريدون أن يجعلوا كل شيء في الدين - حتى الأصول والضروريات - محل بحث وجدال ، وقيل وقال ، وقد أجمع العلماء على أن من أنكر أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة ، ولم يكن حديث عهد بالإسلام ولا ناشئًا ببادية أو ببلد بعيد عن دار الإسلام : فإنه يكفر بذلك ويمرق من الدين ، وعلى الإمام أن يطلب منه التوبة والإقلاع عن ضلاله ، وإلا طبقت عليه أحكام المرتدين ..
وأما حديث العهد بالإسلام والناشيء بالبادية ونحوها ، فيعرف الحكم ويبين له الصواب فإن أصر على موقفه عد مرتدًا . ومع وضوح حرمة الخمر ، ومعرفتها من الدين بالضرورة كما ذكرت ، أتطوع بالجواب فأقول: إن حرمة الخمر ثابتة من عدة وجوه:
أولاً: من القرآن الكريم:
فقد قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ). ففي هاتين الآيتين تأكيد لتحريم الخمر بأكثر من وجه :
( أ ) وذلك لأنه قرنها بالأنصاب - وهي الأصنام - والأزلام ، وقد قال تعالى عن الأزلام (ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ) قال ابن عباس: لما حرمت الخمر مشى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعض ، وقالوا: حرمت الخمر وجعلت عدلا ، أي معادلة للشرك . رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، وإنما أخذوا هذا من اقترانها بالأنصاب ، وجاء في الحديث ( مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن ) رواه أحمد .
(ب) ثم أخبر عن هذه الأشياء بأنها رجس، وهذا لفظ لم يطلق في القرآن إلا على الأوثان ولحم الخنزير وهو يدل على التنفير والزجر الشديد.
(جـ) ولم يكتف بذلك ، فجعلها من " عمل الشيطان " وعمل الشيطان إنما هو الشر والفحشاء والمنكر. قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) .
( د ) وعقب على ذلك بقوله (فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) والأمر بالاجتناب هو العبارة التي استخدمها القرآن في الزجر عن الأوثان وعبادتها فقال تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) ، (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا ….) كما استخدمها في ترك كبائر الذنوب والآثام . مثل قوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ).
(هـ) ثم رتب على هذا الاجتناب الفلاح بقوله (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فدل على أن هذا الاجتناب واجب مؤكد ، فإن تحصيل أسباب الفلاح واجب لازم .
( و ) ثم علل الأمر بالاجتناب ببيان بعض مضار الخمر والميسر الاجتماعية والدينية من تقطيع الأواصر والصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، ثم ذيل الآية بقوله: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ، ولهذا حين سمعها المؤمنون قالوا: قد انتهينا يا رب ، قد انتهينا يا رب.
فهاتان الآيتان ، كما نرى - دالتان أبلغ الدلالة على تحريم الخمر ، والزجر عنها ، وإنما أتى الذين ناقشوا في ذلك من جهلهم باللغة والشرع معًا ، وزعمهم أن التحريم لا يستفاد إلا من لفظ "حرم" و"يحرم" وهذا جهل مركب ، فإن التحريم - بإجماع العلماء - تدل عليه ألفاظ كثيرة ، مثل : لعن فاعله ، أو تشبيهه بالشيطان ، أو الإخبار بأنه رجس …إلخ .
وما قول هؤلاء المجادلين في القتل والزنى والسرقة وأكل الربا وأكل مال اليتيم ونحوها مما لا يجادلون هم ولا غيرهم في قطعية حرمته ، ومع هذا لم ينه عن شيء منها في القرآن بلفظ "التحريم"؟!
على أننا نقول لهؤلاء المكابرين :
إن القرآن الكريم نص على تحريم الخمر بلفظ التحريم أيضًا ، وذلك أن الله تعالى قال في سورة الأعراف (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ... الآية ) فالإثم حرام بنص الآية ، ثم قال تعالى في سورة البقرة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) فإذا كان الإثم حرامًا وكان الخمر إثم كبير بنص القرآن فهي حرام بلا شك.
ثانياً: من السنة:
روى الشيخان عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام ) وروى الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ).
وروى أحمد بإسناد صحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني جبريل فقال: يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها ، وشاربها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها ، وساقيها ومسقاها ) والأحاديث في ذلك كثيرة موفورة .
ومن زعم أنه لا يقبل الاحتجاج بالسنة فقد كذب القرآن نفسه ، الذي صرح بأن الرسول هو مبين القرآن وشارحه قال تعالى وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ولو رد الناس السنة اكتفاء بالقرآن ، ما عرفوا صلاة ولا زكاة ولا حجا ، فإنها كلها جاءت مجملة في القرآن وإنما بينتها السنة .
وقد قال رجل لمطرف بن عبد الله أحد التابعين: لا تحدثونا إلا بالقرآن . فقال له مطرف:"والله ما نريد بالقرآن بدلا... ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا " يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن هنا أمر القرآن بطاعة الرسول ، والاحتكام إليه ، مقارنًا للأمر بطاعة الله ، قال تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) ، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ، (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
ثالثاً: الإجماع:
هذا إلى أن علماء الإسلام في سائر الأعصار قد أجمعوا على تحريم الخمر ، إجماعًا مؤكدًا لا شك فيه ولا جدال ، حتى أصبح ذلك معلومًا من الدين بالضرورة ، كما قلنا في مطلع حديثنا .
رابعاً: قواعد الشريعة الكلية:
على أنه لو لم يكن هناك نص ولا إجماع في المسألة لكانت قواعد الشريعة العامة ، ومبادئها الكلية كافية في الدلالة على تحريم الخمر ، فإن التحريم في الإسلام يتبع الخبث والضرر، فما تحقق ضرره بالفرد أو بالجماعة كان حرامًا ، ولو لم يرد فيه نص بخصوصه .
وضرر الخمر على الفرد في دينه وجسمه وعقله ونفسه وماله مما لا ريب فيه ، وكذلك ضررها على الأسرة في تماسكها وترابطها حيث نرى السكيرين لا يقدرون مسئوليتهم عن زوجاتهم وأولادهم ، فيهملون رعايتهم وتربيتهم بل النفقة عليهم ، ومن وراء ذلك كله ضرر المجتمع كله بانتشار العربدة، وفساد الأخلاق وخراب البيوت، وضياع الأموال ، وانتشار الأمراض مما يؤدي في النهاية إلى التفسخ والانحلال العام ، فأي إنسان له مسحة من عقل أو دين يبيح هذا الفساد العريض الذي تسببه أم الخبائث ، ومفتاح الشر؟ وأعجب من ذلك أن تقرن هذه الإباحة أو الإباحية بشريعة الإسلام ؟
الأربعاء أكتوبر 07 2015, 11:28 من طرف مهاجي30
» الفرض الاول علمي في مادة الأدب العربي
السبت نوفمبر 22 2014, 14:57 من طرف slim2011
» الفرض الاول ادب عربي شعبة ادب و فلسفة
السبت أكتوبر 18 2014, 06:35 من طرف عبد الحفيظ10
» دروس الاعلام الآلي كاملة
الثلاثاء سبتمبر 23 2014, 09:24 من طرف mohamed.ben
» دروس في الهندسة الميكانيكية
الخميس سبتمبر 18 2014, 04:37 من طرف nabil64
» وثائق هامة في مادة الفيزياء
الأربعاء سبتمبر 10 2014, 21:12 من طرف sabah
» طلب مساعدة من سيادتكم الرجاء الدخول
الجمعة سبتمبر 05 2014, 19:57 من طرف amina
» مذكرات الأدب العربي شعبة آداب و فلسفة نهائي
الجمعة سبتمبر 05 2014, 19:53 من طرف amina
» مذكراث السنة الثالثة ثانوي للغة العربية شعبة ادب
الثلاثاء أغسطس 19 2014, 07:29 من طرف walid saad saoud
» les fiches de 3 as* projet I**
الجمعة يوليو 11 2014, 11:51 من طرف belaid11