شكر نعمة الأمن وسبيل المحافظة عليها
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الخطبة الأولى:
الحمد لله الولي الحميد أمر بالشكر ووعد بالمزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يفعل ما يشاء له الأمر في الأولى والآخرة وهو فعال لما يريد، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أشرف الخلق وسيد العباد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فاتقوا الله – عبدا الله – حقَّ التقوى، فمن أَتقى ربَّه رشَد’ ومن أعرض عن مولاه عاش في كمَد . ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى). طه 126.
أيها المسلمون : أقف وإياكم في هذه الجمعة المباركة لأذكر نفسي وإياكم بنعمة جليلة..ومنة كبيرة.. هذه النعمة هي مطلب كّل أمة، وغاية كل دولة، من أجلها جندت الجنود ، ورصدت الأموال، وفي سبيلها قامت الصراعات والحروب.
إنها نعمة الأمن.. وما أدراكم ما نعمة الأمن التي كانت أولً دعوة لأبينا الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حينما قال : ( ربِّ اجعل هذا بلدا آمناً وارزق أهله من الثمرات).. البقرة 126. فقدّم الله تعالى نعمة الأمن، على نعمة الطعام والغذاء، لعظمها وخطر زوالها. و والله وتالله إن أشهى المأكولات، وأطيب الثمرات، لا تُستساغ مع ذهاب الأمن ونزول الخوف والهلع ذلكم أنه لا غناء لمخلوق عن الأمن، مهما عزّ في الأرض، أو كسب مالاً أو شرفاً أو رفعة.
إن نعمة الأمن، هي منة الله على هذه الأمة المباركة المرحومة، قال تعالى : (واذكـروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم النّـاس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات...) الأنفال 26 وقال عز وجل : ( أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم) العنكبوت 67، إن نعمة الأمن، تشكل مع العافية والرزق، الملك الحقيقي للدنيا.. فعن عبيد الله بن محصنٍ الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أصبح آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) رواه الترمذي.
إن الديار التي يفقد فيها الأمن صحراء قاحلة’ وإن كانت ذاتِ جناتٍ وارقةِ الظلال.. وإن البلاد التي تنعم بالأمن تهدأ فيها النفوس وتطمئن فيها القلوب وإن كانت قاحلةً جرداء في رحاب الأمن، يأمنُ الناس على أموالهم ومحارمهم وأعراضهم.. وفي ظلال الأمن، يعبدون ربهم ويقيمون شريعته ويدعون إلى سبيله .. في رحاب الأمن وظلِه تعم الطمأنينةُ النفوس، ويسودها الهدوء، وترفرف عليها السعادة، وتؤدى الواجبات باطمئنان، من غير خوفِ هضمٍ ولا حرمان.
لو انفرط- أي انحل- عقد الأمن ساعة لرأيت كيف تعم الفوضى وتتعطل المصالح ويكثر الهرج- القتل- وتأمل فيمن حولك من البلاد ستجد الواقع ناطقاً، واسأل العراق وغيرَ العراق من ليبيا واليمن وسوريا تَجِدْهَا على هذه الحقيقة شاهدة.
إن أمراً هذا شأنه، ونعمةً هذا أثرها، لجديرةً بأن تبذل في سبيلها كلًّ غال ونفيس، وأن تُستثمَرَ الطاقات وتُسخَرَ الجهودُ والإمكانات، في سبيل الحفاظ عليها وتعزيزها. عباد الله .. الأمن والإيمان قرينان، فلا يتحقق الأمن إلا بالإيمان.. قال تعالى : (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون).
إذا الإيمان ضاع فلا أمان *** ولا دنيا لمن لا يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين *** فقد جعل الفناء لها قرينا
وإذا تخلى أبناء المجتمع عن دينهم وكفروا نعمة ربهم أحاطت بهم المخاوف، وانتشرت بينهم الجرائم، وانهدم جدار الأمن وادلهم ظلام الخوف والقلق وهذه هي سنة الله التي لا تختلف في خلقه قال تعالى: ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقا رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون). النحل 112.
إن الأمن الذي نعيشه ونتفيؤ ظلاله، إنما هو منحة ربانية، ومنة إلهية، لذلك علينا أن نحافظ عليه . عباد الله.. لابد أن ندرك أن نعمة الأمن لا توجد إلا بوجود مقوماتها، ولا تدوم إلا بدوام أسبابها، والتي من أعظمها توحيد الله والإيمان به، واتباع نهج رسوله صلى الله عليه وسلم وما سار عليه سلف هذه الأمة.
وحتى نحافظ على الأمن في البلاد، فلابد من تربية الأمة على طاعة الله والاستقامة على شرعه والبعد عن معصيته..إن النفوس المطيعة لا تحتاج إلى رقابة القانون وسلطة الدولة لكي تردعها عن الجرائم، لأن رقابة الله والوازع الإيماني في قلب المؤمن يقظ لا يغادره في جميع الأحوال.
أيها المسلمون: ونحافظ على الأمن بالتمسُّك بالكتاب والسنة والعنايةُ بالعلم الشرعي فالعلم عصمة من الفتن، وللتعليم الشرعي أساس في رسوخ الأمن والاطمئنان، قال ابن القيّم رحمه الله في إعلام الموقعين: " وإذا ظهر العلمُ في بلدٍ أو محلّة قلّ الشر في أهلها، وإذا خفي العلمُ هناك ظهَر الشّر والفساد".
والعلماءُ الربانيّون والدعاة المخلصون هم ورثةُ الأنبياء وفي ملازمتهم وزيارتهم وسؤالهم والاستشارة بآرائهم سدادٌ في الرأي وتوفيق للصواب ودرء للمفاسد. وتأويل نصوص الشريعة غير وجهها سببُ انحراف الفهوم، ومنها ينطلق الأعداءُ لتلويث عقول الناشئة، ويزداد أثره حينَ يضعف التحصّن بعلوم الدين والشريعة.
ونحافظ على الأمن أيضا بالقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المستوى الفردي والشعبي والرسمي، فهو صمام أمان يمنع الشرور والآفات عن المجتمعات وبه يحصل العز والتمكين: ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) الحج40.
ونحافظ على الأمن بالعدل في كل جوانب الحياة، فالراعي مع رعيته، والأب مع أهله وزوجاته وأولاده، والمعلم مع طلابه، والرئيس مع مرؤوسيه، وصاحب العمل مع عماله ومتى تحقق العدل دام الأمن بإذن الله.
ونحافظ على الأمن، بمعالجة أسباب انحراف الأبناء، بسبب ما تعيشه بعض البيوت من فقر، أو نزاعات وشقاق، وما ينتج عنها من حالات طلاق وتشرد وشقاق.
ونحافظ على الأمن والاستقرار، حينما يقوم العلماء والدعاة والمربون بدورهم في احتواء الشباب ومعالجة الأحداث وتقريب وجهات النظر وتهدئة الانفعالات، وفتح قنوات الحوار الهادف الهادئ مع الشباب لترشيد حماسهم وتوجيه انفعالهم وتسخير طاقاتهم في خدمة الأمة لا في هدمها.
معشر شباب المسلمين.. إن من الحكمة الواجبة، أن نتجنب العاطفة الهوجاء، وردود الأفعال المتهورة، متسلحين بالعلم والحلم والصبر، مشتغلين ببناء النفس ودعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن لا نقحم أنفسنا في أمور لا تحمد عقباها، ولا تعلم شرعيتها وجدواها. ولا بد أن يحذر الشباب الغيور من تعجل الأمور، أو الحكم على المواقف والأحداث دون الرجوع إلى العلماء الراسخين الصادقين.
إن الأمور إذا الأحداث ديرها***دون الشيوخ ترى في بعضها خللا
معشر الشباب .. لوحة الأمن الجميلة التي تعيشها، نرسمها نحن بأيدينا، ونصنعها بأنفسنا- بعد توفيق ربنا – حينما نستقيم على ديننا ونؤدي صلاتنا ونبر والدينا ونصل رحمنا ونوقر كبيرنا ونرحم ضعيفنا ونعرف لعالمنا حقه.. لوحة الأمن، نصنعها حينما نتعامل مع الواقع بميزان الشرع والعقل بعيداَ عن الأهواء والعواطف والرغبات الشخصية. لوحة الأمن، نصنعها حينما نحفظ حدود الله، ونتقي محارم الله، ونشكر نعم الله، (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) . إبراهيم07.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أنَّ سيدنا ونبيّنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليمًا كثيرا.
أما بعد عباد الله.. توحيد رب العالمين وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له في ربوبيته وأولوهيته وأسمائه وصفاته من أعظم ما يحقق الأمن التام ويوطده ويحفظه قال تعالى : (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) نعم عباد الله الأمن التامّ في توحيد الله وطاعته وعبادته ولزوم شكره وذكره وحسن عبادته، قال سبحانه: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا يذكر الله تطمئن القلوب) الرعد 28.
والمعاصي والأمن لا يجتمعان، فالذنوب مُزيلةٌ للنّعم، وبها تحلّ النقم، قال سبحانه : (ذلك بأَنّ الله لم يك مغيرا نعمةً أنعمها على قوْم حتّى يغيروا ما بأنفسهم) الأنفال:53، وما نزل بلاء إلاّ بذنب ولا رُفِع إلا بتوبة. والطاعةُ هي حِصن الله الأعظمُ الذي من دخله كان من الآمنين. وبالخوف من الله ومراقبته يتحقق الأمن والأمان، فهابيل امتنع من قتل قابيل لخوفه من رّبه جل وعلا، (ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إنّ أخاف الله رب العالمين) المائدة 28.
وعليه فأننا ندين أي عمل أو فعل أو قول أو فكر أو تخطيط يخل بالأمن ويهدد الاستقرار فأمن الأمة مطلب وحفظه واجب ووحدة صفها وسلامة منهجها والحفاظ على قيمها وأخلاقها ومقدارها مسؤولية الجميع رعاة ورعية عامة وخاصة رجالاً ونساءً صغارا وكباراَ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( وعد الله اللذين آمنوا منكم وعملوا الصَّالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم في دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) النور: 55. عباد الله: إن المتأمل في حال المسلمين اليوم وما هم فيه من فرقة وفرق وتفرق، يجد أن السبب هو بعدهم عن صراط الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأن الدين الإسلامي حثنا على التعامل الحسن فقال الله سبحانه وتعالى: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)، البقرة195، ونهى عن الاعتداء فقال عز وجل : (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، البقرة 190، وحث على الأخوة فقال تعالى : (إنما المؤمنون أخوة)، الحجرات10، مبينا أنه على المسلم الصادق أن ينطلق من توجيه ربه ولا ينطلق من الهوى ودعاة الفتنة، ولاشك أن الفوضى والشغب وإثارة الفتن والدعوة إليها ليس من الإسلام في شيء، ثم إن النار من شرارة ثم تكون حريقاً يأكل الرطب واليابس ويصعب إطفاؤه، فديننا ليس دين فوضى وإنما دين انضباط ودين نظام وهدوء وسكينة، وأن الحقوق يوصل لها بالطرق الشرعية المتاحة، والفوضى لا تأتي إلا بالدماء وهتك الأعراض وإهلاك الحرث والنسل، أيها المسلمون علينا أن نحذر من أسباب الفرقة ومن الداعين إليها، فإن الاجتماع والوحدة واجب شرعي قال الله تعالى: (واعتصموا بحل الله جميعاً ولا تفرقوا) آل عمران 103، لأن كل ما أوجب فتنة وفرقة فليس من الدين، سواء كان قولاً أو فعلاً، وفي الفتن يحصل سفك للدماء ونهب للأموال وهتك للأعراض وذهاب للاقتصاد، بل وحلول الفرقة مكان الألفة، وتعطيل لمصالح الناس ومعاشهم، إلى جانب خوفهم على أنفسهم وأهليهم وأموالهم، قال أحد الحكماء : الفوضى في ساعة يحدث فيها من الظلم ما لا يحدث في استبداد سنين، فيجب علينا عند الزعازع والفتن أن نكون يدا واحدة وصفا واحدا، لنحافظ على أمننا ووحدتنا، لأن خفافيش الظلام والذين اعتادوا الاقتيات في الأجواء العكرة والمتربصين يتمنون اليوم الذي تختلف فيه الكلمة ليركبوا الموجة ويحققوا مآربهم، لذلك ينبغي أن نكون حذرين تجاه هذه المخططات الهدامة التي تتنكر لماضي البلاد وحاضرها وتتناسى الأزمة السوداء التي ما انفكت أن خلصها الله منها والتي تجرعت من خلالها شتى أنواع البلاء، من حرمان وتشريد وترويع، فكم من مساكن هدمت، ونساء رملت وطفولة يتمت، ونفوس أزهقت ومؤسسات خربت. حتى غدا الواحد منا- على قلة حاله- لا يرجو إلا الخروج من ذلك النفق المظلم لينعم بالأمن والسلام.
فالله الله في وطننا... الله الله في وطننا... الله الله في وطننا الغالي العزيز فاتقوا الله عباد الله واعرفوا لنعمة الأمن قدرها واشكروا الله العلي العظيم على أن حققا لنا في هذه الربوع، وصلوا وسلموا على خير خلق الله سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وول علينا خيارنا واكفنا شرارنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقـاك يا رب العالمين..
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الخطبة الأولى:
الحمد لله الولي الحميد أمر بالشكر ووعد بالمزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يفعل ما يشاء له الأمر في الأولى والآخرة وهو فعال لما يريد، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أشرف الخلق وسيد العباد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فاتقوا الله – عبدا الله – حقَّ التقوى، فمن أَتقى ربَّه رشَد’ ومن أعرض عن مولاه عاش في كمَد . ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى). طه 126.
أيها المسلمون : أقف وإياكم في هذه الجمعة المباركة لأذكر نفسي وإياكم بنعمة جليلة..ومنة كبيرة.. هذه النعمة هي مطلب كّل أمة، وغاية كل دولة، من أجلها جندت الجنود ، ورصدت الأموال، وفي سبيلها قامت الصراعات والحروب.
إنها نعمة الأمن.. وما أدراكم ما نعمة الأمن التي كانت أولً دعوة لأبينا الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حينما قال : ( ربِّ اجعل هذا بلدا آمناً وارزق أهله من الثمرات).. البقرة 126. فقدّم الله تعالى نعمة الأمن، على نعمة الطعام والغذاء، لعظمها وخطر زوالها. و والله وتالله إن أشهى المأكولات، وأطيب الثمرات، لا تُستساغ مع ذهاب الأمن ونزول الخوف والهلع ذلكم أنه لا غناء لمخلوق عن الأمن، مهما عزّ في الأرض، أو كسب مالاً أو شرفاً أو رفعة.
إن نعمة الأمن، هي منة الله على هذه الأمة المباركة المرحومة، قال تعالى : (واذكـروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم النّـاس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات...) الأنفال 26 وقال عز وجل : ( أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم) العنكبوت 67، إن نعمة الأمن، تشكل مع العافية والرزق، الملك الحقيقي للدنيا.. فعن عبيد الله بن محصنٍ الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أصبح آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) رواه الترمذي.
إن الديار التي يفقد فيها الأمن صحراء قاحلة’ وإن كانت ذاتِ جناتٍ وارقةِ الظلال.. وإن البلاد التي تنعم بالأمن تهدأ فيها النفوس وتطمئن فيها القلوب وإن كانت قاحلةً جرداء في رحاب الأمن، يأمنُ الناس على أموالهم ومحارمهم وأعراضهم.. وفي ظلال الأمن، يعبدون ربهم ويقيمون شريعته ويدعون إلى سبيله .. في رحاب الأمن وظلِه تعم الطمأنينةُ النفوس، ويسودها الهدوء، وترفرف عليها السعادة، وتؤدى الواجبات باطمئنان، من غير خوفِ هضمٍ ولا حرمان.
لو انفرط- أي انحل- عقد الأمن ساعة لرأيت كيف تعم الفوضى وتتعطل المصالح ويكثر الهرج- القتل- وتأمل فيمن حولك من البلاد ستجد الواقع ناطقاً، واسأل العراق وغيرَ العراق من ليبيا واليمن وسوريا تَجِدْهَا على هذه الحقيقة شاهدة.
إن أمراً هذا شأنه، ونعمةً هذا أثرها، لجديرةً بأن تبذل في سبيلها كلًّ غال ونفيس، وأن تُستثمَرَ الطاقات وتُسخَرَ الجهودُ والإمكانات، في سبيل الحفاظ عليها وتعزيزها. عباد الله .. الأمن والإيمان قرينان، فلا يتحقق الأمن إلا بالإيمان.. قال تعالى : (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون).
إذا الإيمان ضاع فلا أمان *** ولا دنيا لمن لا يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين *** فقد جعل الفناء لها قرينا
وإذا تخلى أبناء المجتمع عن دينهم وكفروا نعمة ربهم أحاطت بهم المخاوف، وانتشرت بينهم الجرائم، وانهدم جدار الأمن وادلهم ظلام الخوف والقلق وهذه هي سنة الله التي لا تختلف في خلقه قال تعالى: ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقا رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون). النحل 112.
إن الأمن الذي نعيشه ونتفيؤ ظلاله، إنما هو منحة ربانية، ومنة إلهية، لذلك علينا أن نحافظ عليه . عباد الله.. لابد أن ندرك أن نعمة الأمن لا توجد إلا بوجود مقوماتها، ولا تدوم إلا بدوام أسبابها، والتي من أعظمها توحيد الله والإيمان به، واتباع نهج رسوله صلى الله عليه وسلم وما سار عليه سلف هذه الأمة.
وحتى نحافظ على الأمن في البلاد، فلابد من تربية الأمة على طاعة الله والاستقامة على شرعه والبعد عن معصيته..إن النفوس المطيعة لا تحتاج إلى رقابة القانون وسلطة الدولة لكي تردعها عن الجرائم، لأن رقابة الله والوازع الإيماني في قلب المؤمن يقظ لا يغادره في جميع الأحوال.
أيها المسلمون: ونحافظ على الأمن بالتمسُّك بالكتاب والسنة والعنايةُ بالعلم الشرعي فالعلم عصمة من الفتن، وللتعليم الشرعي أساس في رسوخ الأمن والاطمئنان، قال ابن القيّم رحمه الله في إعلام الموقعين: " وإذا ظهر العلمُ في بلدٍ أو محلّة قلّ الشر في أهلها، وإذا خفي العلمُ هناك ظهَر الشّر والفساد".
والعلماءُ الربانيّون والدعاة المخلصون هم ورثةُ الأنبياء وفي ملازمتهم وزيارتهم وسؤالهم والاستشارة بآرائهم سدادٌ في الرأي وتوفيق للصواب ودرء للمفاسد. وتأويل نصوص الشريعة غير وجهها سببُ انحراف الفهوم، ومنها ينطلق الأعداءُ لتلويث عقول الناشئة، ويزداد أثره حينَ يضعف التحصّن بعلوم الدين والشريعة.
ونحافظ على الأمن أيضا بالقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المستوى الفردي والشعبي والرسمي، فهو صمام أمان يمنع الشرور والآفات عن المجتمعات وبه يحصل العز والتمكين: ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) الحج40.
ونحافظ على الأمن بالعدل في كل جوانب الحياة، فالراعي مع رعيته، والأب مع أهله وزوجاته وأولاده، والمعلم مع طلابه، والرئيس مع مرؤوسيه، وصاحب العمل مع عماله ومتى تحقق العدل دام الأمن بإذن الله.
ونحافظ على الأمن، بمعالجة أسباب انحراف الأبناء، بسبب ما تعيشه بعض البيوت من فقر، أو نزاعات وشقاق، وما ينتج عنها من حالات طلاق وتشرد وشقاق.
ونحافظ على الأمن والاستقرار، حينما يقوم العلماء والدعاة والمربون بدورهم في احتواء الشباب ومعالجة الأحداث وتقريب وجهات النظر وتهدئة الانفعالات، وفتح قنوات الحوار الهادف الهادئ مع الشباب لترشيد حماسهم وتوجيه انفعالهم وتسخير طاقاتهم في خدمة الأمة لا في هدمها.
معشر شباب المسلمين.. إن من الحكمة الواجبة، أن نتجنب العاطفة الهوجاء، وردود الأفعال المتهورة، متسلحين بالعلم والحلم والصبر، مشتغلين ببناء النفس ودعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن لا نقحم أنفسنا في أمور لا تحمد عقباها، ولا تعلم شرعيتها وجدواها. ولا بد أن يحذر الشباب الغيور من تعجل الأمور، أو الحكم على المواقف والأحداث دون الرجوع إلى العلماء الراسخين الصادقين.
إن الأمور إذا الأحداث ديرها***دون الشيوخ ترى في بعضها خللا
معشر الشباب .. لوحة الأمن الجميلة التي تعيشها، نرسمها نحن بأيدينا، ونصنعها بأنفسنا- بعد توفيق ربنا – حينما نستقيم على ديننا ونؤدي صلاتنا ونبر والدينا ونصل رحمنا ونوقر كبيرنا ونرحم ضعيفنا ونعرف لعالمنا حقه.. لوحة الأمن، نصنعها حينما نتعامل مع الواقع بميزان الشرع والعقل بعيداَ عن الأهواء والعواطف والرغبات الشخصية. لوحة الأمن، نصنعها حينما نحفظ حدود الله، ونتقي محارم الله، ونشكر نعم الله، (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) . إبراهيم07.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أنَّ سيدنا ونبيّنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليمًا كثيرا.
أما بعد عباد الله.. توحيد رب العالمين وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له في ربوبيته وأولوهيته وأسمائه وصفاته من أعظم ما يحقق الأمن التام ويوطده ويحفظه قال تعالى : (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) نعم عباد الله الأمن التامّ في توحيد الله وطاعته وعبادته ولزوم شكره وذكره وحسن عبادته، قال سبحانه: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا يذكر الله تطمئن القلوب) الرعد 28.
والمعاصي والأمن لا يجتمعان، فالذنوب مُزيلةٌ للنّعم، وبها تحلّ النقم، قال سبحانه : (ذلك بأَنّ الله لم يك مغيرا نعمةً أنعمها على قوْم حتّى يغيروا ما بأنفسهم) الأنفال:53، وما نزل بلاء إلاّ بذنب ولا رُفِع إلا بتوبة. والطاعةُ هي حِصن الله الأعظمُ الذي من دخله كان من الآمنين. وبالخوف من الله ومراقبته يتحقق الأمن والأمان، فهابيل امتنع من قتل قابيل لخوفه من رّبه جل وعلا، (ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إنّ أخاف الله رب العالمين) المائدة 28.
وعليه فأننا ندين أي عمل أو فعل أو قول أو فكر أو تخطيط يخل بالأمن ويهدد الاستقرار فأمن الأمة مطلب وحفظه واجب ووحدة صفها وسلامة منهجها والحفاظ على قيمها وأخلاقها ومقدارها مسؤولية الجميع رعاة ورعية عامة وخاصة رجالاً ونساءً صغارا وكباراَ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( وعد الله اللذين آمنوا منكم وعملوا الصَّالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم في دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) النور: 55. عباد الله: إن المتأمل في حال المسلمين اليوم وما هم فيه من فرقة وفرق وتفرق، يجد أن السبب هو بعدهم عن صراط الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأن الدين الإسلامي حثنا على التعامل الحسن فقال الله سبحانه وتعالى: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)، البقرة195، ونهى عن الاعتداء فقال عز وجل : (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، البقرة 190، وحث على الأخوة فقال تعالى : (إنما المؤمنون أخوة)، الحجرات10، مبينا أنه على المسلم الصادق أن ينطلق من توجيه ربه ولا ينطلق من الهوى ودعاة الفتنة، ولاشك أن الفوضى والشغب وإثارة الفتن والدعوة إليها ليس من الإسلام في شيء، ثم إن النار من شرارة ثم تكون حريقاً يأكل الرطب واليابس ويصعب إطفاؤه، فديننا ليس دين فوضى وإنما دين انضباط ودين نظام وهدوء وسكينة، وأن الحقوق يوصل لها بالطرق الشرعية المتاحة، والفوضى لا تأتي إلا بالدماء وهتك الأعراض وإهلاك الحرث والنسل، أيها المسلمون علينا أن نحذر من أسباب الفرقة ومن الداعين إليها، فإن الاجتماع والوحدة واجب شرعي قال الله تعالى: (واعتصموا بحل الله جميعاً ولا تفرقوا) آل عمران 103، لأن كل ما أوجب فتنة وفرقة فليس من الدين، سواء كان قولاً أو فعلاً، وفي الفتن يحصل سفك للدماء ونهب للأموال وهتك للأعراض وذهاب للاقتصاد، بل وحلول الفرقة مكان الألفة، وتعطيل لمصالح الناس ومعاشهم، إلى جانب خوفهم على أنفسهم وأهليهم وأموالهم، قال أحد الحكماء : الفوضى في ساعة يحدث فيها من الظلم ما لا يحدث في استبداد سنين، فيجب علينا عند الزعازع والفتن أن نكون يدا واحدة وصفا واحدا، لنحافظ على أمننا ووحدتنا، لأن خفافيش الظلام والذين اعتادوا الاقتيات في الأجواء العكرة والمتربصين يتمنون اليوم الذي تختلف فيه الكلمة ليركبوا الموجة ويحققوا مآربهم، لذلك ينبغي أن نكون حذرين تجاه هذه المخططات الهدامة التي تتنكر لماضي البلاد وحاضرها وتتناسى الأزمة السوداء التي ما انفكت أن خلصها الله منها والتي تجرعت من خلالها شتى أنواع البلاء، من حرمان وتشريد وترويع، فكم من مساكن هدمت، ونساء رملت وطفولة يتمت، ونفوس أزهقت ومؤسسات خربت. حتى غدا الواحد منا- على قلة حاله- لا يرجو إلا الخروج من ذلك النفق المظلم لينعم بالأمن والسلام.
فالله الله في وطننا... الله الله في وطننا... الله الله في وطننا الغالي العزيز فاتقوا الله عباد الله واعرفوا لنعمة الأمن قدرها واشكروا الله العلي العظيم على أن حققا لنا في هذه الربوع، وصلوا وسلموا على خير خلق الله سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وول علينا خيارنا واكفنا شرارنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقـاك يا رب العالمين..
الأربعاء أكتوبر 07 2015, 11:28 من طرف مهاجي30
» الفرض الاول علمي في مادة الأدب العربي
السبت نوفمبر 22 2014, 14:57 من طرف slim2011
» الفرض الاول ادب عربي شعبة ادب و فلسفة
السبت أكتوبر 18 2014, 06:35 من طرف عبد الحفيظ10
» دروس الاعلام الآلي كاملة
الثلاثاء سبتمبر 23 2014, 09:24 من طرف mohamed.ben
» دروس في الهندسة الميكانيكية
الخميس سبتمبر 18 2014, 04:37 من طرف nabil64
» وثائق هامة في مادة الفيزياء
الأربعاء سبتمبر 10 2014, 21:12 من طرف sabah
» طلب مساعدة من سيادتكم الرجاء الدخول
الجمعة سبتمبر 05 2014, 19:57 من طرف amina
» مذكرات الأدب العربي شعبة آداب و فلسفة نهائي
الجمعة سبتمبر 05 2014, 19:53 من طرف amina
» مذكراث السنة الثالثة ثانوي للغة العربية شعبة ادب
الثلاثاء أغسطس 19 2014, 07:29 من طرف walid saad saoud
» les fiches de 3 as* projet I**
الجمعة يوليو 11 2014, 11:51 من طرف belaid11