القرءان كلام الله تعالى من علم علمه سبق ومن قال به صدق, ومن حكم به عدل, ومن عمل به اجر, ومن دعا إليه هدي إلى صراك مستقيم. رغب الله في تلاوته ﭧ ﭨ" ورتل القرءان ترتيلا" المزمل: ٤ وقال مزمل:٢٠ بينما حذر من هجره وجعله شكوى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه ىلفرقان: ٣٠ وقال الرسول صلى الله عليه وسلم’’ الماهر بالقرءان مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرءان وهو يتعتع فيه وهو عليه شاق له اجران’’وهذا تأكيد ظاهر على أن تلاوة القرءان امر مرغوب فيه على كل حال .ولقد اشتهر في الجزائر كغيرها من بلاد المغرب على قراءة القرءان جماعة وجعلوا منه الحزب الراتب الذي يقرأ يوميا في المساجد على ان يختم القرءان في كل شهر هجري جريا على العرف الجاري بهذه الديار. لكن غزتنا بدعة الحكم بمنع الاجتماع لقراءة القرءان جماعة , حتى وصل ببعض المنتسبين للعلم الشرعي بالغلو في تحريمها فبلغ الأمر ببعضهم إلى تكفير قراء القرءان جماعة والبعض يعتدي على الجماعة التي تقرأ القرءان جماعة ويفتت تجمعهم.
تأصيل الموضوع:
يجب ان نؤكد حقيقة دينية تاريخية أولا وهي ان فكرة منع قراءة القرءان الكريم جماعة وافدة على نظام ديني اجتماعي قائم منذ قرون خلت بالمجتمع الجزائري خاصة والمغربي عامة بل وبالعالم الإسلامي بوجه من الوجوه. وانه لا يتصور ان تتمالأ الأمة على مدى أعصار متعاقبة وتجتمع على ضلالة وفيها العلماء والصالحون.فقد ثبت كما قال بن لب الغرناطي: ’’أن العمل بذلك تضافر عليه أهل هذه الأمصار والأعصار ،وهي مقاصد من يقصدها فلن يخيب من أجرِها ’’
دليل المانعين:
إن أدلة هؤلاء لا تخرج عن امرين اثنين:
نصوص من السنة النبوية الشريفة فهموها على عمومها وإطلاقها.
نصوص من المذهب المالكي يحاجون بها من باب ’’ان لم تحترموا نبيكم فاحترموا على الأقل مذهبكم’’
أما الأمر الأول: يقولون بأن الاجتماع لقراءة القرءان بدعةٌ لم تكن في زمان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولا احد من أصحابه ويستدلون بأدلة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد). و قال عبد الله بن مسعود: إن أحسن الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها’’. عن جابر بن عبدالله عن الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن خير الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي محمد. وشر الأمور محدثاتها. وكل بدعة ضلالة"
وإن أدلتهم هذه ترجع إلا اعتبار قراءة القرءان جماعة امر مبتدع ومحدث ولا شر من الإحداث في امر الدين فهو الابتداع المنهي عنه.
التحقيق العلمي:
التحقيق العلمي ينتهي إلى ان البدعة المنهي عنها في دين الله عزوجل لها شرطان:
الأول : ان تكون حادثة لم تكن في الصدر الأول.
الثاني: ان تناقض أصلا من أصول الإسلام القرءان أو الحديث النبوي أو الإجماع.
فإذا اجتمع الشرطان كان الأمر المحدث هو البدعة الضلالة الذي يحمل عليه الحديث :’’وكل بدعة ضلالة’’ ويحمل عليه أيضا قول الإمام مالك «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد خان الأمانة "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"" المائدة: ٣ فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا »
أما إذا لم يجتمع الشرطان فإما أن يكون الأمر غير محدث أصلا أو ان يكون محدثا ولكنه لا يناقض أصلا من أصول الإسلام فلا يكون بدعة أيضا وإن اطلق عليه اسم بدعة فإنما معنى لغوي لا بالمعنى الديني الاصطلاحي.
ويستدل لذلك بالحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سن في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها. ولا ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء". رواه مسلم. فالأمر المحدث ان كان حسنا فمقبول وإن كان قبيحا فممنوع والقبيح ما ناقض أصلا من أصول الشريعة والحسن ما وافقها . ولقد قال عمر بن الخطاب عن صلاة التراويح ’’ نعمت البدعة هذه’’ رواه البخاري وعلى نفس هذا الوجه يتأول إحداث عثمان بن عفان للأذان الثالث، عن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة، أوله إذا جلس الإمام على المنبر، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه، وكثر الناس، زاد النداء الثالث على الزوراء.’’
فالقاعدة أن كل أمر محدث قبل أ نصدر حكم الله فيه أ نعرضه على الأدلة الشرعية فيكون حكمه ما نصت عليه هذه الأدلة بغض النظر عن كونه محدثا أو غير محدث
وعلى هذا فهل قراءة القرءان الكريم جماعة بدعة:
أولا لنرى هل تتوفر على شرطا البدعة الضلالة :
أما أ تكون محدثة فلا يناقش في ذلك أحد فهي لم تكن معروفة على عهد الرسول الأكرم ولذلك قال عنها الإمام مالك :’’ لا أعرفه عن السلف’’
أما أنها تناقض أصلا من أصول التشريع فالعكس هو الصحيح فقد استند إلى أدلة من النقل والعقل منها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له به طريقا إلى الجنة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده.’’ رواه مسلم . وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه. فقال "ما أجلسكم؟" قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومن به علينا. قال "آلله! ما أجلسكم إلا ذاك؟" قالوا: والله! ما أجلسنا إلا ذاك. قال "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم. ولكنه أتاني جبريل فأخبرني؛ أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة".رواه مسلم
ومنها ما روي عن ابي الدرداء رضي الله عنه ’’أنه كان يدرس القرءان معه نفر يقرؤون جميعا’’
ومنها أن القراءة بهذه الكيفية عادة حسنة ولا تخالف الشرع ، والعادة الحسنة إذا لم تخالف الشرع ولم تناقض أصلا لها اعتبارها ولهذا قال العلماء,’’الثابت بالعرف كالثابت بالنص’’ فهذه الكيفية مما جرى العمل به ، ولا يصح تغييره إلا إذا صادم وناقض أدلة شرعية صريحة. يشهد على ذلك التصريح الجم الغفير من العلماء الأعلام من ذلك:
قول عيسى السكتاني:" فإذا اتضح لك توجيه ما جرى به العمل لزم إجراء الأحكام عليه لأن مخالفة ما جرى به العمل فتنة وفساد كبير"
قول أبي إسحاق الشاطبي" والأولى عندي في كل نازلة يكون فيها للعلماء قولان فيعمل الناس فيها على موافقة أحدهما وإن كان مرجوحا في النظر، أن لا يعرض لهم ،وان يجروا على أنهم قلدوه في الزمان الأول وجرى به العمل، فإنهم إن حملوا على غير ذلك كان في ذلك تشويش للعامة وفتح لأبواب الخصام"
وقول ابن عبد البر" إذا رأيت الر جل يعمل بالعمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه"
وقول أبي العباس الونشريسي" والاستشهاد بعمل أهل البلد ببعض الأقوال الفقهية دون البعض أمر معروف شهير عند الخاص والعام لا يجهله من له بالطلب أقل تلبس"
ومن أدلتهم أيضا أن قراءة القرءان جماعة فيه منافع جمة ومصالح لا تعد فهو من المصالح المرسلة التي تأكدت فيها المصلحة ففيه تعهد للقرءان الكريم فهي تساعد على حفظه وضبطه ومراجعته وعدم نسيانه فالذي يقرأ القرءان وحده غالبا ما يخطأ في النطق ببعض الكلمات والتي تلزمه أن يتلقنه على شيخ ولكن ما بوسع الشيوخ أن يستمعوا لكل طالب لذلك فالقارئ لما يقرأ مع الجماعة فلما يخطئ يعرف خطأه ويتداركه ، كما أن فيه تسميع لكتاب الله تعالى لمن يريد سماعه من عامة المسلمين ومنها التماس للفضل المذكور ""وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله..."" من غير اشتراط وصف خاص فيهم من علم أو صلاح أو زهد .
الأمر الثاني :
يدعي هؤلاء أن الذين يعتمدون القراءة الجماعية قد خالفوا مذهبهم الذي نهى عنه بالفعل ومما يستند إليه هؤلاء:
ما ورد عن الإمام مالك عندما سئل عن هذه المسألة فقال: "لا أعرفه عن السلف" ولكن التحقيق أن المراد بها أن هذا العمل لم يثبت فيه نص.
وخلاصة القول: إن الأدلة التي ساقها أدعياء البدعية على قوتها لا تتوجه على موضوعنا ، وهي استدلال في خارج محل النزاع ، فشروط البدعة غير متوفرة في قراءة القرءان جماعة بل إن الأدلة التي استند إليها معتمدو هذا المنهج من القوة والتنوع بحيث تنفي كل ريب أو شك في مشروعية الطريقة.
إن أقل ما يمكن قوله أن قراءة القرءان جماعة بصوت واحد جائزة وإن لم تكن مندوبة فلقد حث الإسلام على الصلاة جماعة والذكر جماعة والاكل جماعة والعمل جماعة فكان يسعى دوما إلى العمل الجماعي لما فيه من تقوية أواصر المحبة والألفة بين المسلمين كما أن الشخص لما يسمع هذه القراءة ويعي مدى إتحاد الأصوات من أجل تلاوة كتاب الله وما في ذلك من حلاوة يعي حقا لو أن الإمام مالك لو أنه شاهد هذا لاستحسنه .كما أن تحريمها أدى إلى نقص حفّاظ القرءان حتى اضحى الناس يصلون التراويح من المصحف ناهيك عن الأخطاء التي يرتكبونها أثناء قراءتهم وإننا نحذر هؤلاء من الغلو فإن نسيان القرءان امر جلل.
نسأل الله العفو والعافية وان يهدينا إلى سبيل الرشاد
المصدر رسالة المسجد جويلية 2003
الأربعاء أكتوبر 07 2015, 11:28 من طرف مهاجي30
» الفرض الاول علمي في مادة الأدب العربي
السبت نوفمبر 22 2014, 14:57 من طرف slim2011
» الفرض الاول ادب عربي شعبة ادب و فلسفة
السبت أكتوبر 18 2014, 06:35 من طرف عبد الحفيظ10
» دروس الاعلام الآلي كاملة
الثلاثاء سبتمبر 23 2014, 09:24 من طرف mohamed.ben
» دروس في الهندسة الميكانيكية
الخميس سبتمبر 18 2014, 04:37 من طرف nabil64
» وثائق هامة في مادة الفيزياء
الأربعاء سبتمبر 10 2014, 21:12 من طرف sabah
» طلب مساعدة من سيادتكم الرجاء الدخول
الجمعة سبتمبر 05 2014, 19:57 من طرف amina
» مذكرات الأدب العربي شعبة آداب و فلسفة نهائي
الجمعة سبتمبر 05 2014, 19:53 من طرف amina
» مذكراث السنة الثالثة ثانوي للغة العربية شعبة ادب
الثلاثاء أغسطس 19 2014, 07:29 من طرف walid saad saoud
» les fiches de 3 as* projet I**
الجمعة يوليو 11 2014, 11:51 من طرف belaid11