فقصة رجل رأى نفسه فوق الآخرين مالاً وجمالاً وحلّةً ... مشى بين أقرانه مختالاً بثوبه النفيس ، وشبابه الدافق حيويّة ، وجيبه المليء المنتفخ مالاً ، تفوح نرجسيّتُه وحبُّ ذاته في الطريقة التي يمشيها ، فهو يمدّ صدره للأمام ، ويفتح ما بين إبطيه ، لا يكاد الطريق يسعُه ، يميل بوجهه إلى اليمين مرّة ، وإلى اليسار أُخرى متعجّباً من جِدّة ثوبه ، وغلاء ثمنه ، يجر رداءَه خيَلاءَ ، يظن نفسه خيرَ مَن وطِئ الثرى ، يكادُ لا يلمس الأرض من خفّته ، يحسب أن العَظَمة إنما تكون بالمادّة والمظهر ، ونسي أنها لا تكون إلا بحسن الأخلاق ونفاسة المخبَر ، وغفَل عن قوله تعالى : " ولا تمْشِ في الأرض مَرَحاً ، إنك لن تخرِق الأرضَ ولن تبلُغ الجبالَ طولاً " وتناسى أنه مخلوق ضعيف ، أصلُه من طين ، ومن سُلالة من ماء مَهين . تناسى أنّ أوّله نطفة مَذِرَةٌ ، وآخرَه جيفةٌ قذرةٌ ، وهو بينهما يحمل العَذَرةَ ... وتناسى أنّه حين صعّر خدّه للناس غضب الله عليه ، لأنه شارك الله في صفتين لا يرضاهما لغيره ، حين قال تعالى " العَظَمةُ إزاري ، والكبرياءُ ردائي ، فمن نازعني فيهما قصمت ظهره ولا أُبالي " بل تناسى كذلك أنه سيصير إلى قبره ، حيث يأكله الدود في دار الوَحشة والطُّلمة ، لا أنيس فيها سوى التقوى والتواضع . وغفَل أيضاً عن مصير الجبّارين المتغطرسين قبله . وقصّة قارون الذي خسف الله تعالى به الأرض قرآن يُتلى .
وقد أخبرنا الرسول الكريم أن هذا الرجل المتكبر خسف الله به الأرض ، فهو يغوصُ في مجاهلها من شِقٍّ إلى شقّ ، ومن مَهوىً ضيّق غلى حفرة أعمقَ منها ، ينزل فيها مضطرباً مندفعاً ، تصدُر عن حركته أصواتٌ متتابعةٌ إلى يوم القيامة جزاءَ تعاظمه وتكبّره ... ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام " إنّ الله أوحى إليّ أنْ تَواضعوا ، حتى لا يبغيَ أحدٌ على أحدٍ ، ولا يفخرَ أحدٌ على أحدٍ . "
الحديث في صحيح البخاري
مجلد 4 جـ 7 باب من جر ثوبه خيلاء
وأما القصة الثانية :
فقد ذكر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن رجلين من بني إسرائيل كانا متآخيين إلا أنهما يختلفان في العبادة ، فالأول مجتهد فيها ، يصلُ قيام الليل بصيام النهار ، لا يألو في الاستزادة منها .. يرى صاحبه مقصّراً ، بل مذنباً مصرّاً على المعاصي ، فيأمره بالعبادة ، وينهاه عن المعصية ، ولربّما وجده يوماً يشرب الخمر أو يرتكب معصية ، فنهاه عنها ، وهذا أمر يتصف به المسلم ، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وهكذا الدعاة دائماً " كنتم خير أمة أُخرجتْ للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ... " .. " ولْتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويامرون بالمعروف ، وينهَوْنَ عن المنكر " إلا أن الإنسان حين يتجاوز حدّه ويتألّى على الله فقد أساء إلى الذات الإلهيّة ، ووقع في غضب الله دون أن يدري ، فكانت عاقبته خسراً .
إن العاصي حين أمره العابد أن يفعل الخير ، ونهاه عن المنكر قال له : " خَلّني وربي .. أبُعِثْتَ عليّ رقيباً ؟! " ... هنا نلحظ أمرين اثنين :
1- فقد كان المذنب مصراً على الذنب ، عاكفاً عليه ، متبرّماً من متابعة العابد له بالنصح والمتابعة .
2- وكان أسلوب العابد في النصح فظاً غليظاً أدّى إلى تحدّي العاصي له . والداعية الناجحُ هيّن ليّن ، رفيق بالمذنبين ، يعاملهم معاملة الطبيب الحاني مرضاه ، فيمسح عنهم تعبهم ، ويخفف عنهم آلامهم ، فيدخل إلى قلوبهم ، وينتزع منهم أوصابهم .....
احتدّ العابد من إصرار العاصي على ذنبه ، فاندفع يُقسم : أنّ الله لن يغفر له ، ولن يرحمه ، ولن يُدخله الجنّةَ .... فيقبض الله روحيهما ، فاجتمعا عند رب العالمين ، ،، ويا خسارة من يغضب الله عليه ، إن العابد نزع عن الله صفة الرحمة ، وصفة الغفران ، حين أقسم أن الله لن يغفر للعاصي ...
قال الله لهذا المجتهد : أكنتَ بي عالماً ؟ أو كنت على ما في يدي قادراً ؟ لأُخيّبَنّ ظنّك ، فأنا أفعل ما أشاء ... وقال للمذنب اذهب فادخل الجنّة برحمتي ... إن الناس جميعاً ، صالحَهم وطالحَهم ، عابدهم وعاصيهم ، لن يوفـّوا الله نعمه ، وحين يدخلون الجنّة يدخلونها برحمته . .. قالها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له : حتى أنت يا رسول الله ؟ قال : " حتى أنا إلاّ أن يتغمدَنيَ اللهُ برحمته "
وقال الله تعالى للآخر(للعابد) المتألّي على الله : اذهبوا به إلى النار ... لقد لفظ كلمة أهلكته فدخل النار ولم تنفعه عبادته .
رياض الصالحين باب تحقير المسلمين الحديث/ 1210 /
وقد أخبرنا الرسول الكريم أن هذا الرجل المتكبر خسف الله به الأرض ، فهو يغوصُ في مجاهلها من شِقٍّ إلى شقّ ، ومن مَهوىً ضيّق غلى حفرة أعمقَ منها ، ينزل فيها مضطرباً مندفعاً ، تصدُر عن حركته أصواتٌ متتابعةٌ إلى يوم القيامة جزاءَ تعاظمه وتكبّره ... ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام " إنّ الله أوحى إليّ أنْ تَواضعوا ، حتى لا يبغيَ أحدٌ على أحدٍ ، ولا يفخرَ أحدٌ على أحدٍ . "
الحديث في صحيح البخاري
مجلد 4 جـ 7 باب من جر ثوبه خيلاء
وأما القصة الثانية :
فقد ذكر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن رجلين من بني إسرائيل كانا متآخيين إلا أنهما يختلفان في العبادة ، فالأول مجتهد فيها ، يصلُ قيام الليل بصيام النهار ، لا يألو في الاستزادة منها .. يرى صاحبه مقصّراً ، بل مذنباً مصرّاً على المعاصي ، فيأمره بالعبادة ، وينهاه عن المعصية ، ولربّما وجده يوماً يشرب الخمر أو يرتكب معصية ، فنهاه عنها ، وهذا أمر يتصف به المسلم ، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وهكذا الدعاة دائماً " كنتم خير أمة أُخرجتْ للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ... " .. " ولْتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويامرون بالمعروف ، وينهَوْنَ عن المنكر " إلا أن الإنسان حين يتجاوز حدّه ويتألّى على الله فقد أساء إلى الذات الإلهيّة ، ووقع في غضب الله دون أن يدري ، فكانت عاقبته خسراً .
إن العاصي حين أمره العابد أن يفعل الخير ، ونهاه عن المنكر قال له : " خَلّني وربي .. أبُعِثْتَ عليّ رقيباً ؟! " ... هنا نلحظ أمرين اثنين :
1- فقد كان المذنب مصراً على الذنب ، عاكفاً عليه ، متبرّماً من متابعة العابد له بالنصح والمتابعة .
2- وكان أسلوب العابد في النصح فظاً غليظاً أدّى إلى تحدّي العاصي له . والداعية الناجحُ هيّن ليّن ، رفيق بالمذنبين ، يعاملهم معاملة الطبيب الحاني مرضاه ، فيمسح عنهم تعبهم ، ويخفف عنهم آلامهم ، فيدخل إلى قلوبهم ، وينتزع منهم أوصابهم .....
احتدّ العابد من إصرار العاصي على ذنبه ، فاندفع يُقسم : أنّ الله لن يغفر له ، ولن يرحمه ، ولن يُدخله الجنّةَ .... فيقبض الله روحيهما ، فاجتمعا عند رب العالمين ، ،، ويا خسارة من يغضب الله عليه ، إن العابد نزع عن الله صفة الرحمة ، وصفة الغفران ، حين أقسم أن الله لن يغفر للعاصي ...
قال الله لهذا المجتهد : أكنتَ بي عالماً ؟ أو كنت على ما في يدي قادراً ؟ لأُخيّبَنّ ظنّك ، فأنا أفعل ما أشاء ... وقال للمذنب اذهب فادخل الجنّة برحمتي ... إن الناس جميعاً ، صالحَهم وطالحَهم ، عابدهم وعاصيهم ، لن يوفـّوا الله نعمه ، وحين يدخلون الجنّة يدخلونها برحمته . .. قالها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له : حتى أنت يا رسول الله ؟ قال : " حتى أنا إلاّ أن يتغمدَنيَ اللهُ برحمته "
وقال الله تعالى للآخر(للعابد) المتألّي على الله : اذهبوا به إلى النار ... لقد لفظ كلمة أهلكته فدخل النار ولم تنفعه عبادته .
رياض الصالحين باب تحقير المسلمين الحديث/ 1210 /
وأما القصة الثالثة :
فهي رديف المعنى في القصة الثانية ، إذ افتخر رجل أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل ، فقال : أنا ابن فلان ، فمن أنت؟ لا أمّ لك . فردّه المعلّم الأول صلى الله عليه وسلّم إلى الصواب بطريقة غير مباشرة ، إذ روى الحبيب المصطفى قصة مشابهة لقصتهما حدثت أما النبي موسى عليه السلام بين رجلين . فقد فَخَر الرجل الأول بآبائه فقال : أنا ابن فلان بن فلان .. حتى عدّ تسعة آباء ، لهم بين يدَيِ الناس في حياتهم المكانةُ الساميةُ غنىً ونسباً ومكانةً .. فمن أنت حتى تطاولني وتكون لي نَدّاً ؟! .
لو انتبه إلى مصير أبائه وأجداده لم يفخر بهم ، إنهم كانوا كفـّاراً يعبدون الأصنام ويتخذونها آلهة. والله تعالى يقول لأمثال هؤلاء: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصَبُ جهنّم ، أنتم لها واردون " .. لم يدخل الإيمان قلبَه فدعا بدعوى الجاهلية ، وفضّل أهلَ النار – ولو كانوا أجدادَه – على أخيه المسلم ، فكان مصيرُه مصيرَهم إذ أوحى الله إلى نبيّه موسى أن يقول له : أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم ،لأن المرء يُحشر مع من أحبّ . وقال الثاني : أنا فلان بن فلان بن الإسلام .. فخر بأبيه الذي رباه على الإسلام ، وقطع نسبه قبل أبيه ، فلم يفخر بجده الكافر ، ولم يعترف به ، فلا جامع يجمعه به .
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم
هل يلتقي الكفر بالإيمان والظلام بالضياء في قلب واحد؟! شتّان شتّان ، فلن يعلوَ الإنسانُ بنسبه ، ويوم القيامة لا ينفعه سوى عمله " فإذا نُفخ في الصور فلا أنسابَ بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون " وقال تعالى كذلك " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وهل ينفع نوحٌ ابنَه ؟ وإبراهيمُ أباهُ ، ورسولُ الله عمَّه أبا لهب ؟ ..
فأوحى الله إلى نبيّه موسى أن يهنئه بالفوز والنجاح حين قال : أما أنت أيها المنتسب إلى والدك المسلم ودينك العظيم فأنت من أهل الجنّة . تعصّبتَ إلى دينك ، وتشرفتَ بالانتساب إليه فأنت منه ، وهو منك .
مسند الإمام أحمد جزء 5
فهي رديف المعنى في القصة الثانية ، إذ افتخر رجل أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل ، فقال : أنا ابن فلان ، فمن أنت؟ لا أمّ لك . فردّه المعلّم الأول صلى الله عليه وسلّم إلى الصواب بطريقة غير مباشرة ، إذ روى الحبيب المصطفى قصة مشابهة لقصتهما حدثت أما النبي موسى عليه السلام بين رجلين . فقد فَخَر الرجل الأول بآبائه فقال : أنا ابن فلان بن فلان .. حتى عدّ تسعة آباء ، لهم بين يدَيِ الناس في حياتهم المكانةُ الساميةُ غنىً ونسباً ومكانةً .. فمن أنت حتى تطاولني وتكون لي نَدّاً ؟! .
لو انتبه إلى مصير أبائه وأجداده لم يفخر بهم ، إنهم كانوا كفـّاراً يعبدون الأصنام ويتخذونها آلهة. والله تعالى يقول لأمثال هؤلاء: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصَبُ جهنّم ، أنتم لها واردون " .. لم يدخل الإيمان قلبَه فدعا بدعوى الجاهلية ، وفضّل أهلَ النار – ولو كانوا أجدادَه – على أخيه المسلم ، فكان مصيرُه مصيرَهم إذ أوحى الله إلى نبيّه موسى أن يقول له : أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم ،لأن المرء يُحشر مع من أحبّ . وقال الثاني : أنا فلان بن فلان بن الإسلام .. فخر بأبيه الذي رباه على الإسلام ، وقطع نسبه قبل أبيه ، فلم يفخر بجده الكافر ، ولم يعترف به ، فلا جامع يجمعه به .
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم
هل يلتقي الكفر بالإيمان والظلام بالضياء في قلب واحد؟! شتّان شتّان ، فلن يعلوَ الإنسانُ بنسبه ، ويوم القيامة لا ينفعه سوى عمله " فإذا نُفخ في الصور فلا أنسابَ بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون " وقال تعالى كذلك " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وهل ينفع نوحٌ ابنَه ؟ وإبراهيمُ أباهُ ، ورسولُ الله عمَّه أبا لهب ؟ ..
فأوحى الله إلى نبيّه موسى أن يهنئه بالفوز والنجاح حين قال : أما أنت أيها المنتسب إلى والدك المسلم ودينك العظيم فأنت من أهل الجنّة . تعصّبتَ إلى دينك ، وتشرفتَ بالانتساب إليه فأنت منه ، وهو منك .
مسند الإمام أحمد جزء 5
القصة الرابعة
إن الفاروق عمر رضي الله عنه خليفة المسلمين انطلق وخادمُه يعُسّ طرقات المدينة ، ويتفقد أمور المسلمين ، فسمع امرأة تقول لابنتها : يا بنيّة امزقي ( اخلطي وامزجي )اللبن بالماء – كي يكثر فيزداد الربح- فقالت البنت لأمها : أم تعلمي أن أمير المؤمنين حذرنا من الغش، ومنع مزج الحليب بالماء ؟! قالت لها أمها : وأين منا أمير المؤمنين ؟ ... ردت البنت قائلة : إن كان أمير المؤمنين لا يرانا فربه سبحانه يرانا !...
أُعجب الفاروق بدين الفتاة وكريم خُلُقها ، وأمر صاحبه أن يضع علامة على البيت ، وقال له : ايتني بخبر أهل الدار ...
وفي الصباح قال خادمه : إنها امرأة تبيع الحليب وابنتها . فسأل الخليفة ابنه عاصماً : هل لك في زوجة صالحة ؟ قال : نعم . فزوجه منها . فكانت هذه الزوجة الصالحةُ جدةََ الخليفة الأموي العادل عمر بن عبد العزيز.
أُعجب الفاروق بدين الفتاة وكريم خُلُقها ، وأمر صاحبه أن يضع علامة على البيت ، وقال له : ايتني بخبر أهل الدار ...
وفي الصباح قال خادمه : إنها امرأة تبيع الحليب وابنتها . فسأل الخليفة ابنه عاصماً : هل لك في زوجة صالحة ؟ قال : نعم . فزوجه منها . فكانت هذه الزوجة الصالحةُ جدةََ الخليفة الأموي العادل عمر بن عبد العزيز.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم روى لأصحابه قصة مشابهة .
فقد انطلق رجل بسفينته في النهر ، يقف على هذه القرية وتلك القرية ، وهذا الحي وذاك ، يبيع الخمر للناس . وكان غشّاشاً ، يخلط الخمر بالماء ليزداد بيعه ، فيزداد ربحه . وكثير من الناس في أيامنا هذه يفعل مثله ظنّاً منهم – وهذا قلة في الدين ، وضعف في اليقين – أنهم يسرعون في الثراء ، فيَشـُوبون الجيد بالرديء ، او يمزجون المتقاربين في النوع ليجنوا المال الكثير بالطرق غير المشروعة ، فيخسرونه وأضعافه بطرق لا يشعرون بها ، فقد تكون المرضَ ، أو السرقةَ أو الضياعَ أو الإسرافَ أو النكدَ في الحياة الذي يطغى على كثرة المال ، فيفقدُ الإنسانُ الراحة وطعم السعادة .. وهذا كلُّه لا يساوي شيئاً أمام عذاب الله تعالى وغضبه ... فما نبت من سحت فالنار أولى به .
باع الرجل " الخمر المائيّ" ، ووضع الدنانير في كيسه ، وانطلق بسفينته عائداً إلى بيته ، والسعادة تملأ نفسه ، والأمل في جمع ثروة كبيرة يراوده . وبينما هو في أحلامه ، وقردُه إلى جانبه يقفز هنا وهناك اختطف القردُ الكيسَ ، وصعِد به إلى سارية السفينة . فانخلع قلب التاجر لمصير الكيس ، فقد يطيح به القرد في الماء ، فيخسر تجارته وأحلامه الوردية التي خامرَتْه . وقد يفتحه ، فتتساقط بعض الدنانير في الماء ، ويغيب بعضها في ثنايا الألواح ....
أيها القرد ؛ أيها القرد؛ بالله عليك انزل . فلما لم ينزل ناداه : ارم الكيس إليّ بهدوء ، ولا تفجعني في مالي ...
لم يفهم القرد توسّلَه ، بل تمكّن من جلسته أعلى السارية ، وحلَّ رباطَ الكيس ...؛ نظر في داخله ...؛ مدّ يده إلى الدنانير الذهبيّة ، فأخرج ديناراً ، وقلّبَه بيده كأنه يروزه ( يختبره ويتعرّفه) ثم ألقاه أسفل منه ، فسقط في السفينة ، فابتدره التاجر ... ورفع رأسه إلى حيث يجلس القرد ... كان التاجر متوثّباً مشدودَ الأعصاب .. لقد مدّ القرد يدَه إلى الكيس ، وأخرج ديناراً قلّبه بيده ، فاستعدّ التاجر لتلقّيه .. ليس في الأمر حيلة سوى ذلك ، لقد ترك دفّة السفينة ليتفرّغ للالتقاط الدنانير .... يا ويح التاجر ، لقد رمى القرد الدينار في الماء بين الأمواج ، ورمى التاجر رأسه على عمود السارية من الغيظ والقهر .. وعاد ينظر بتوسّل ظاهر إلى القرد ، ولكنْ هذه المرة دون أن يناديه ، إذ انعقد لسانه .. فرمى القرد إليه ديناراً ، فأسرع إلى التقاطه ، ورمى الدينار الرابع إلى الماء ... يا ويحه ، ما عادت رجلاه تحملانه .. سقط على الأرض ، وعيناه متعلقتان بالقرد وصنيعه ...
ازدادت سرعة يد القرد ، واستمر التوزيع العادل في القسمة .. دينارٌ يٌرمى على السفينة ، وآخر يُلقى إلى الماء .... وفرغ الكيس ، ونزل القردُ ... أخذ التاجر نصيبَه من ثمن الخمر ، وأخذ النهر نصيبه من ثمن الماء الممزوج بالخمر ...
أليست القسمة صحيحة ، والقردُ قاضياً عادلاً ، وحكَماً نزيهاً ؟! !
وقد نال التاجر نصيبه من الحزن والألم في الدنيا . وسينال جزاءَه في الآخرة ناراً تلَظّى ، لا يصلاها إلا الأشقى .. هذا إذا لم يتق الله تعالى ، ويتـُب ، ويعفُ الكريمُ عنه.
مسند الإمام أحمد ج2ص306
فقد انطلق رجل بسفينته في النهر ، يقف على هذه القرية وتلك القرية ، وهذا الحي وذاك ، يبيع الخمر للناس . وكان غشّاشاً ، يخلط الخمر بالماء ليزداد بيعه ، فيزداد ربحه . وكثير من الناس في أيامنا هذه يفعل مثله ظنّاً منهم – وهذا قلة في الدين ، وضعف في اليقين – أنهم يسرعون في الثراء ، فيَشـُوبون الجيد بالرديء ، او يمزجون المتقاربين في النوع ليجنوا المال الكثير بالطرق غير المشروعة ، فيخسرونه وأضعافه بطرق لا يشعرون بها ، فقد تكون المرضَ ، أو السرقةَ أو الضياعَ أو الإسرافَ أو النكدَ في الحياة الذي يطغى على كثرة المال ، فيفقدُ الإنسانُ الراحة وطعم السعادة .. وهذا كلُّه لا يساوي شيئاً أمام عذاب الله تعالى وغضبه ... فما نبت من سحت فالنار أولى به .
باع الرجل " الخمر المائيّ" ، ووضع الدنانير في كيسه ، وانطلق بسفينته عائداً إلى بيته ، والسعادة تملأ نفسه ، والأمل في جمع ثروة كبيرة يراوده . وبينما هو في أحلامه ، وقردُه إلى جانبه يقفز هنا وهناك اختطف القردُ الكيسَ ، وصعِد به إلى سارية السفينة . فانخلع قلب التاجر لمصير الكيس ، فقد يطيح به القرد في الماء ، فيخسر تجارته وأحلامه الوردية التي خامرَتْه . وقد يفتحه ، فتتساقط بعض الدنانير في الماء ، ويغيب بعضها في ثنايا الألواح ....
أيها القرد ؛ أيها القرد؛ بالله عليك انزل . فلما لم ينزل ناداه : ارم الكيس إليّ بهدوء ، ولا تفجعني في مالي ...
لم يفهم القرد توسّلَه ، بل تمكّن من جلسته أعلى السارية ، وحلَّ رباطَ الكيس ...؛ نظر في داخله ...؛ مدّ يده إلى الدنانير الذهبيّة ، فأخرج ديناراً ، وقلّبَه بيده كأنه يروزه ( يختبره ويتعرّفه) ثم ألقاه أسفل منه ، فسقط في السفينة ، فابتدره التاجر ... ورفع رأسه إلى حيث يجلس القرد ... كان التاجر متوثّباً مشدودَ الأعصاب .. لقد مدّ القرد يدَه إلى الكيس ، وأخرج ديناراً قلّبه بيده ، فاستعدّ التاجر لتلقّيه .. ليس في الأمر حيلة سوى ذلك ، لقد ترك دفّة السفينة ليتفرّغ للالتقاط الدنانير .... يا ويح التاجر ، لقد رمى القرد الدينار في الماء بين الأمواج ، ورمى التاجر رأسه على عمود السارية من الغيظ والقهر .. وعاد ينظر بتوسّل ظاهر إلى القرد ، ولكنْ هذه المرة دون أن يناديه ، إذ انعقد لسانه .. فرمى القرد إليه ديناراً ، فأسرع إلى التقاطه ، ورمى الدينار الرابع إلى الماء ... يا ويحه ، ما عادت رجلاه تحملانه .. سقط على الأرض ، وعيناه متعلقتان بالقرد وصنيعه ...
ازدادت سرعة يد القرد ، واستمر التوزيع العادل في القسمة .. دينارٌ يٌرمى على السفينة ، وآخر يُلقى إلى الماء .... وفرغ الكيس ، ونزل القردُ ... أخذ التاجر نصيبَه من ثمن الخمر ، وأخذ النهر نصيبه من ثمن الماء الممزوج بالخمر ...
أليست القسمة صحيحة ، والقردُ قاضياً عادلاً ، وحكَماً نزيهاً ؟! !
وقد نال التاجر نصيبه من الحزن والألم في الدنيا . وسينال جزاءَه في الآخرة ناراً تلَظّى ، لا يصلاها إلا الأشقى .. هذا إذا لم يتق الله تعالى ، ويتـُب ، ويعفُ الكريمُ عنه.
مسند الإمام أحمد ج2ص306
القصة الخامسة :
العمل الصالح يُنجي صاحبه
قاربت الشمس على المغيب ، وبدأ الظلام يرسل أول خيط له مازج الضوء الباهت الذي آذن بالرحيل ، وبدأت الأنسام الباردة تخترق ثياب هؤلاء النفرالثلاثة الجادّين في السير ، يريدون أن يصلوا إلى أقرب مأوى يقضون فيه ليلتهم هذه ، ثم يتابعون رحلتهم إلى هدفهم .
كانوا بعيدين عن القرى مسافات كبيرة ، قدّروا أنهم لن يستطيعوا الوصولَ إلى أوّلها إلا بعد ساعات من مسير ليليّ غير محمود العواقب ، فقد يقعون في حفرة ، أو يدعمهم سيل جارف ، أو يَفجؤهم مطر منهمر ، أو وحوش كاسرة .... والليل لا عيون له ، والنهار آمَنُ وآنَسُ. فليبحثوا إذاً عن أقرب مكان يلوذون به ...
ولم يطل بهم البحث ، فعلى مدىً يسير منهم ظهرت فجوة ترتفع عما حولها قليلاً ... فجدّوا السير إليها ، وكانت مناسبة لهم ، ما إن دخلوها حتى شعروا بالدفء يسري في أوصالهم ، والهدوءِ يَحوطهم ، والعتَمة تزحف عليهم ، فاستسلموا لنوم لذيذ . وما ألذّ النوم بعد التعب ، والسكونَ بعد الحركة ... وغرقوا في أحلام وردية ، وتخيّلوا أنفسهم في مرابعهم ، وبين أهليهم ، ولم يشعروا بما كان خارج كهفهم من ريح اشتدّت حاملةً السحاب الماطر الذي أغرق المكان حولهم ، وحفر تحت صخرة كبيرة كانت أعلى الكهف ، فتدحرجت بكلكلها ، لتستقر على باب الكهف ، فتوقعَهم في مأزق لا خلاص منه إلا أن يشاء الله .
بدأت الشمس ترسل أشعتها إلى الكهف من خلال فجَوات صغيرة تدغدغ النائمين ، وتوقظهم برفق ولطف ، وكأنها تقول لهم : يكفيكم ما أنتم عليه من غفلة ، قوموا لتبحثوا عن خلاص من هذه المصيبة التي حلّت ، لا تدرون ما الله فاعل بكم إذا ثبتَتْ في مكانها ... هيا انهضوا فادفعوها ، واسألوا الله العون ، والتمسوا رحمته .
إنهم يتحركون ، لقد شرَعت الحياة تدب فيهم ، فتمددت أوصالهم هنا وهناك يمنة ويسْرة ، فحمد أولهم ربّه أن أحياه بعد ما أماته – ولمّا يقم – وشكر الثاني ربّه على نعمة الأمن والأمان – ولمّا يفتحْ عينيه – وصلى الثالث على موسى وهارون اللذَين هداه الله بهما بعد أن ذكر الله ونهض ... ولكن أين النور المنبثق ؟ أين الضياء يملأ المكان؟ .. كلها تساؤلات فرضتْها اللحظة التي رأى جوّ الكهف فيها خانقاً ... هيّا يا صاحبيّ ، أنا عاجز عن فهم ما جرى ... نطقها سريعاً ، فقفزا فوراً كأنهما في سباق ، يستكشفان ما حلّ بهم ، ويتعرّفان الموقف ، ففوجئا بما فوجئ به صاحبهما آنفاً .
اندفع أحدهما نحو الصخرة ليبعدها عن الباب ، فارتدّ خائباً ... عاود الأمرَ فانتكس ، جرّب صاحباه ، فلم يُفلحا ، وأنّى لمخلوق ضعيف أن يزحزح وتداً عظيماً من أوتاد الأرض ؟!
تكاتف الثلاثة وأجمعوا قوّتهم ، وهاجموا الصخرة بعنف ارتدّوا عنها بمثله ، أو أشدّ . فلما يئسوا من زحزحتها ، ورأوا الموت المرعب يُطِلّ عليهم من بين فروضها عادوا إلى أنفسهم يفكّرون ، وعن مخرج مما هم فيه يبحثون .
وشاء الله الرحيم بعباده أن ينجّيَهم ، فألهمهم الدعاء له ، والالتجاء إليه . أليس سبحانه هو القائل : " وقال ربكم ادعوني أستجِبْ لكم "؟ ! .. بلى والله .. يا من يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء ؛ نجِّنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
وبدا الثلاثة يجأرون بالدعاء ، وكانوا صالحين ، فهداهم الله أن يسألوه بأفضل أعمالهم الخالصة لوجهه الكريم ، التي ليس فيها مُراءاة ، ولايبغون بها سوى رضا الله وجنّته .
قال رجل منهم : كنت بارّاً بوالديّ ، أكرمهما ، وأفضّلهما على أولادي وزوجتي ، وأجتهد في خدمتهما . وعرف أهلي فيّ ذلك فساعدوني . وكان من عادتي أن أسقيهما الحليب عِشاءً قبل الجميع ، فتأخّرت مرة في حقلي ، أقلّم الأشجار وأعتني بالزرع ، ثم رُحت أحلب غبوقهما ، وانطلقتُ أسقيهما ، فوجدتهما نائمَين ، فكرهت ان اوقظهما ، وان أغبق قبلهما أحداً من الأهل والرقيق ، والقدح في يدي أنتظر استيقاظهما حتى بزغ الفجر ، والصبية حولي يتضاغَون من الجوع ، ويصيحون عند قدمي ، وهم فلذة كبدي ، فتشاغلتُ عنهم حتى استيقظا فشربا غبوقهما ، ثم سقيت أهلي وخدمي .... اللهم إن كنتُ فعلتُ هذا ابتغاء وجهك الكريم ففرّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة .. فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج منه .
وقال الثاني : أما أنا فقد كنت ميسور الحال ، أحيا رغداً من العيش ، وليَ ابنة عمّ جميلة المُحيّا ، بهيّة الطلعة ، أحبها ، وأرغب فيها ، فراودْتها عن نفسها ، فأبَتْ ، وبذلتُ لها المال ، فتمنّعتْ ، أغريتها بشتّى الوسائل ، فلم أنل منها ما أبتغي . فحبست ألمي وحسرتي في نفسي ، لا أنفرج إلا إذا نلتُها . ثم واتت الفرصة إذ جاءتني في سنة جديبة تطلب المساعدة من ابن عمّها على فقرها ، فراودتني نفسي على إغوائها ، واغتنمت حاجتَها وبؤسَها ، فأعطيتها مئة وعشرين ديناراً على أن تخلّيَ بيني وبين نفسها ، ففعَلَتْ ... يا لهف نفسي ، ويا سعادتي ، إنني قاب قوسين أو أدنى إلى اجتناء ثمرة صبري ... هاهي بين يدَيّ ، بل إنني منها مقام الزوج مكان العفة من زوجته ، والشهوة تنتفض في كل ذرّة من جسمي ... قالت والدمع يملأ مآقيها ، والحزن يتملّكها : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقّه . فالاتصال الزوجي قمة السعادة ، والحلال مَراحُ النفس وأُنسُ الروح ، أما الزنا فلذّة اللحظة ، وندم الحياة ، وذلّ الآخرة . .. دقّ قلبي رافضاً ، وختلجت أوصالي آبية الوقوع في الإثم ، ورأيتُ بعينَيْ قلبي غضب ربي ، فقمت عنها منصرفاً ، وتركت لها المال راغباً في عفو الله ومرضاته . .. اللهم ؛ إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك الكريم فافرُج عنا ما نحن فيه .... فانفرجت الصخرة ، غير أنهم لا يستطيعون الخروجَ منها .
وتقدّم الثالث ، فقال : اشتغل عندي عدد من الأُجراء ، وأعطيتُهم أجرَهم غير واحدٍ ترك أجره وذهب . فقلت : في نفسي : قد ترك الأجير حقه ، فانا أولى به . وقال لي الشيطان : ليس له عندك شيء .. وتحرك الإيمان في قلبي ، فأمرني أن أحتفظ بأجره ليأخذه إن عاد ... ارتحت لهذا القرار ، فأمرني إيماني ثانية حين رأى تجاوبي للخير : بل ثمّر له أجره . .. فأشركتُه في عملي حتى كثرت الأموال والإبل والبقر والغنم والرقيقُ ، وملأ المكانَ . فجاءني بعد حين فقال : يا عبد الله ؛ أدِّ إليّ أجري . فقلت : كلّ ما ترى في هذا الوادي لك ، فخذه . فقال الأجير : أتهزأ بي ؟! أهذا جزائي منك حين انشغلتُ ابتداءً فلم آخذ حقي ؟! فقلت له : إني لا أستهزئ بك ... وأخبرتُه أنني جادٌّ في قولي ، فقد ثمّرتُ أجره . فلما وثقَ صدقَ حديثي أخذ ماله وانطلق ، فاستاقه ، ولم يترك منه شيئاً . .. اللهم إن كنت فعلت هذا ابتغاء وجهك ، فافرج عنا ما نحن فيه .. فانفرجت الصخرة ، فخرجوا يمشون .
متفق عليه رياض الصالحين ، باب التوبة
العمل الصالح يُنجي صاحبه
قاربت الشمس على المغيب ، وبدأ الظلام يرسل أول خيط له مازج الضوء الباهت الذي آذن بالرحيل ، وبدأت الأنسام الباردة تخترق ثياب هؤلاء النفرالثلاثة الجادّين في السير ، يريدون أن يصلوا إلى أقرب مأوى يقضون فيه ليلتهم هذه ، ثم يتابعون رحلتهم إلى هدفهم .
كانوا بعيدين عن القرى مسافات كبيرة ، قدّروا أنهم لن يستطيعوا الوصولَ إلى أوّلها إلا بعد ساعات من مسير ليليّ غير محمود العواقب ، فقد يقعون في حفرة ، أو يدعمهم سيل جارف ، أو يَفجؤهم مطر منهمر ، أو وحوش كاسرة .... والليل لا عيون له ، والنهار آمَنُ وآنَسُ. فليبحثوا إذاً عن أقرب مكان يلوذون به ...
ولم يطل بهم البحث ، فعلى مدىً يسير منهم ظهرت فجوة ترتفع عما حولها قليلاً ... فجدّوا السير إليها ، وكانت مناسبة لهم ، ما إن دخلوها حتى شعروا بالدفء يسري في أوصالهم ، والهدوءِ يَحوطهم ، والعتَمة تزحف عليهم ، فاستسلموا لنوم لذيذ . وما ألذّ النوم بعد التعب ، والسكونَ بعد الحركة ... وغرقوا في أحلام وردية ، وتخيّلوا أنفسهم في مرابعهم ، وبين أهليهم ، ولم يشعروا بما كان خارج كهفهم من ريح اشتدّت حاملةً السحاب الماطر الذي أغرق المكان حولهم ، وحفر تحت صخرة كبيرة كانت أعلى الكهف ، فتدحرجت بكلكلها ، لتستقر على باب الكهف ، فتوقعَهم في مأزق لا خلاص منه إلا أن يشاء الله .
بدأت الشمس ترسل أشعتها إلى الكهف من خلال فجَوات صغيرة تدغدغ النائمين ، وتوقظهم برفق ولطف ، وكأنها تقول لهم : يكفيكم ما أنتم عليه من غفلة ، قوموا لتبحثوا عن خلاص من هذه المصيبة التي حلّت ، لا تدرون ما الله فاعل بكم إذا ثبتَتْ في مكانها ... هيا انهضوا فادفعوها ، واسألوا الله العون ، والتمسوا رحمته .
إنهم يتحركون ، لقد شرَعت الحياة تدب فيهم ، فتمددت أوصالهم هنا وهناك يمنة ويسْرة ، فحمد أولهم ربّه أن أحياه بعد ما أماته – ولمّا يقم – وشكر الثاني ربّه على نعمة الأمن والأمان – ولمّا يفتحْ عينيه – وصلى الثالث على موسى وهارون اللذَين هداه الله بهما بعد أن ذكر الله ونهض ... ولكن أين النور المنبثق ؟ أين الضياء يملأ المكان؟ .. كلها تساؤلات فرضتْها اللحظة التي رأى جوّ الكهف فيها خانقاً ... هيّا يا صاحبيّ ، أنا عاجز عن فهم ما جرى ... نطقها سريعاً ، فقفزا فوراً كأنهما في سباق ، يستكشفان ما حلّ بهم ، ويتعرّفان الموقف ، ففوجئا بما فوجئ به صاحبهما آنفاً .
اندفع أحدهما نحو الصخرة ليبعدها عن الباب ، فارتدّ خائباً ... عاود الأمرَ فانتكس ، جرّب صاحباه ، فلم يُفلحا ، وأنّى لمخلوق ضعيف أن يزحزح وتداً عظيماً من أوتاد الأرض ؟!
تكاتف الثلاثة وأجمعوا قوّتهم ، وهاجموا الصخرة بعنف ارتدّوا عنها بمثله ، أو أشدّ . فلما يئسوا من زحزحتها ، ورأوا الموت المرعب يُطِلّ عليهم من بين فروضها عادوا إلى أنفسهم يفكّرون ، وعن مخرج مما هم فيه يبحثون .
وشاء الله الرحيم بعباده أن ينجّيَهم ، فألهمهم الدعاء له ، والالتجاء إليه . أليس سبحانه هو القائل : " وقال ربكم ادعوني أستجِبْ لكم "؟ ! .. بلى والله .. يا من يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء ؛ نجِّنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
وبدا الثلاثة يجأرون بالدعاء ، وكانوا صالحين ، فهداهم الله أن يسألوه بأفضل أعمالهم الخالصة لوجهه الكريم ، التي ليس فيها مُراءاة ، ولايبغون بها سوى رضا الله وجنّته .
قال رجل منهم : كنت بارّاً بوالديّ ، أكرمهما ، وأفضّلهما على أولادي وزوجتي ، وأجتهد في خدمتهما . وعرف أهلي فيّ ذلك فساعدوني . وكان من عادتي أن أسقيهما الحليب عِشاءً قبل الجميع ، فتأخّرت مرة في حقلي ، أقلّم الأشجار وأعتني بالزرع ، ثم رُحت أحلب غبوقهما ، وانطلقتُ أسقيهما ، فوجدتهما نائمَين ، فكرهت ان اوقظهما ، وان أغبق قبلهما أحداً من الأهل والرقيق ، والقدح في يدي أنتظر استيقاظهما حتى بزغ الفجر ، والصبية حولي يتضاغَون من الجوع ، ويصيحون عند قدمي ، وهم فلذة كبدي ، فتشاغلتُ عنهم حتى استيقظا فشربا غبوقهما ، ثم سقيت أهلي وخدمي .... اللهم إن كنتُ فعلتُ هذا ابتغاء وجهك الكريم ففرّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة .. فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج منه .
وقال الثاني : أما أنا فقد كنت ميسور الحال ، أحيا رغداً من العيش ، وليَ ابنة عمّ جميلة المُحيّا ، بهيّة الطلعة ، أحبها ، وأرغب فيها ، فراودْتها عن نفسها ، فأبَتْ ، وبذلتُ لها المال ، فتمنّعتْ ، أغريتها بشتّى الوسائل ، فلم أنل منها ما أبتغي . فحبست ألمي وحسرتي في نفسي ، لا أنفرج إلا إذا نلتُها . ثم واتت الفرصة إذ جاءتني في سنة جديبة تطلب المساعدة من ابن عمّها على فقرها ، فراودتني نفسي على إغوائها ، واغتنمت حاجتَها وبؤسَها ، فأعطيتها مئة وعشرين ديناراً على أن تخلّيَ بيني وبين نفسها ، ففعَلَتْ ... يا لهف نفسي ، ويا سعادتي ، إنني قاب قوسين أو أدنى إلى اجتناء ثمرة صبري ... هاهي بين يدَيّ ، بل إنني منها مقام الزوج مكان العفة من زوجته ، والشهوة تنتفض في كل ذرّة من جسمي ... قالت والدمع يملأ مآقيها ، والحزن يتملّكها : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقّه . فالاتصال الزوجي قمة السعادة ، والحلال مَراحُ النفس وأُنسُ الروح ، أما الزنا فلذّة اللحظة ، وندم الحياة ، وذلّ الآخرة . .. دقّ قلبي رافضاً ، وختلجت أوصالي آبية الوقوع في الإثم ، ورأيتُ بعينَيْ قلبي غضب ربي ، فقمت عنها منصرفاً ، وتركت لها المال راغباً في عفو الله ومرضاته . .. اللهم ؛ إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك الكريم فافرُج عنا ما نحن فيه .... فانفرجت الصخرة ، غير أنهم لا يستطيعون الخروجَ منها .
وتقدّم الثالث ، فقال : اشتغل عندي عدد من الأُجراء ، وأعطيتُهم أجرَهم غير واحدٍ ترك أجره وذهب . فقلت : في نفسي : قد ترك الأجير حقه ، فانا أولى به . وقال لي الشيطان : ليس له عندك شيء .. وتحرك الإيمان في قلبي ، فأمرني أن أحتفظ بأجره ليأخذه إن عاد ... ارتحت لهذا القرار ، فأمرني إيماني ثانية حين رأى تجاوبي للخير : بل ثمّر له أجره . .. فأشركتُه في عملي حتى كثرت الأموال والإبل والبقر والغنم والرقيقُ ، وملأ المكانَ . فجاءني بعد حين فقال : يا عبد الله ؛ أدِّ إليّ أجري . فقلت : كلّ ما ترى في هذا الوادي لك ، فخذه . فقال الأجير : أتهزأ بي ؟! أهذا جزائي منك حين انشغلتُ ابتداءً فلم آخذ حقي ؟! فقلت له : إني لا أستهزئ بك ... وأخبرتُه أنني جادٌّ في قولي ، فقد ثمّرتُ أجره . فلما وثقَ صدقَ حديثي أخذ ماله وانطلق ، فاستاقه ، ولم يترك منه شيئاً . .. اللهم إن كنت فعلت هذا ابتغاء وجهك ، فافرج عنا ما نحن فيه .. فانفرجت الصخرة ، فخرجوا يمشون .
متفق عليه رياض الصالحين ، باب التوبة
الأربعاء أكتوبر 07 2015, 11:28 من طرف مهاجي30
» الفرض الاول علمي في مادة الأدب العربي
السبت نوفمبر 22 2014, 14:57 من طرف slim2011
» الفرض الاول ادب عربي شعبة ادب و فلسفة
السبت أكتوبر 18 2014, 06:35 من طرف عبد الحفيظ10
» دروس الاعلام الآلي كاملة
الثلاثاء سبتمبر 23 2014, 09:24 من طرف mohamed.ben
» دروس في الهندسة الميكانيكية
الخميس سبتمبر 18 2014, 04:37 من طرف nabil64
» وثائق هامة في مادة الفيزياء
الأربعاء سبتمبر 10 2014, 21:12 من طرف sabah
» طلب مساعدة من سيادتكم الرجاء الدخول
الجمعة سبتمبر 05 2014, 19:57 من طرف amina
» مذكرات الأدب العربي شعبة آداب و فلسفة نهائي
الجمعة سبتمبر 05 2014, 19:53 من طرف amina
» مذكراث السنة الثالثة ثانوي للغة العربية شعبة ادب
الثلاثاء أغسطس 19 2014, 07:29 من طرف walid saad saoud
» les fiches de 3 as* projet I**
الجمعة يوليو 11 2014, 11:51 من طرف belaid11