وَنَصَبُوا أَرْكَانَهُمْ فِي طَاعَتِهِ، وَيَمَّمُوا وُجُوهَهُمْ تُجَاهَ الآخِرَةِ، وَلَمْ يَحْفَلُوا بِالدُّنْيَا وَمُتَعِهَا الزَّائِلَةِ؛ [تَرَىٰهُمۡ رُكَّعا سُجَّدا يَبۡتَغُونَ فَضۡلا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰناۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ] {الفتح: 29}، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى حَقَّ التَّقْوَى، وَتَزَوَّدُوا مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يُنْجِيكُمْ فِي الأُخْرَى؛ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ قُبُورًا فِيهَا ضِيقٌ وَظُلْمَةٌ وَوَحْشَةٌ وَوَحْدَةٌ، وَإِنَّ أَمَامَكُمْ بَعْثًا وَنُشُورًا، وَوُقُوفًا طَوِيلاً، وَحِسَابًا عَسِيرًا، وَلاَ مَنْجَاةَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى؛ [وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ بِمَفَازَتِهِمۡ لَا يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوٓءُ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ] {الزُّمر: 61}.
أَيُّهَا النَّاسُ: لِلاخْتِبَارِ فِي النَّفْسِ رَهْبَتُهُ، وَلِلسُّؤَالِ عَلَى القَلْبِ وَقْعُهُ، وَلِلْجَوَابِ الصَّحِيحِ حَلاوَتُهُ، وَلِلْإِخْفَاقِ حَسْرَتُهُ، وَعَلَى قَدْرِ أَهَمِّيَّةِ الاخْتِبَارِ يَهْتَمُّ الإِنْسَانُ، وَتَتَوَتَّرُ نَفْسُهُ، وَيَضْطَرِبُ قَلْبُهُ؛ فَلَيْسَ مَنْ يُسْأَلُ فِي مُسَابَقَةٍ تَرْفِيهِيَّةٍ كَمَنْ يُخْتَبَرُ لِنَيْلِ شَهَادَةٍ مَصِيرِيَّةٍ، وَلَيْسَ مَنْ يُسَابِقُ عَلَى وَظِيفَةٍ مَضْمُونَةٍ كَمَنْ يُزَاحِمُ الأُلُوفَ عَلَى وَظِيفَةٍ شِبْهِ مَعْدُومَةٍ!
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّاسِ وَطَلَبِ مَعَاشِهِمْ، وَتَنَافُسِهِمْ عَلَى مَرَاتِبِ دُنْيَاهُمْ، فَكَيْفَ الحَالُ إِذَنْ بِامْتِحَانٍ مَنِ اجْتَازَهُ فَازَ فَوْزًا أَبَدِيًّا، وَمَنْ أَخْفَقَ فِيهِ خَسِرَ خُسْرَانًا نِهَائِيًّا، فَلَيْسَ ثَمَّةَ إِعَادَةٌ وَلاَ تَعْوِيضٌ وَلا فُرَصٌ أُخْرَى، حَيَاةٌ فِي الدُّنْيَا وَاحِدَةٌ، وَفُرْصَةٌ لِلْعَمَلِ فِيهَا وَاحِدَةٌ، وَالجَزَاءُ يَكُونُ عَلَى عَمَلِ الإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الفُرْصَةِ، وَأَيُّ جَزَاءٍ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الجَزَاءِ، الَّذِي أَدْنَاهُ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ فِي الدُّنْيَا وَعَشَرَةِ أَضْعَافِهِ، وَأَعْلاهُ القُرْبُ مِنَ الرَّحْمَنِ فِي جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ، فَيَا لَهُ مِنْ فَوْزٍ؟!
وَكَيْفَ إِذَنْ بِامْتِحَانٍ نَتِيجَتُهُ سَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ، أَوْ شَقَاءٌ أَبَدِيٌّ، نَتِيجَتُهُ نَعِيمٌ مُقِيمٌ لاَ يَحُولُ وَلا يَزُولُ، فِيمَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، أَوْ فِي عَذَابٍ أَلِيمٍ مُهِينٍ، شَدِيدٍ لا يُخَفَّفُ، وَدِائِمٍ لاَ يَنْقَطِعُ؛ [كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ] {النساء: 56}.
ذَلِكُمْ يَا عِبَادَ اللهِ امْتِحَانُ الآخِرَةِ وَسُؤُالُهَا، وَجَزَاءُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ عَلَى أَعْمَالِ العِبَادِ فِيهَا، فَيَا لَكَيَاسَةَ مَنِ اعْتَبَرَ بِأَحْوَالِ الدُّنْيَا لِلآخِرَةِ، وَتَزَوَّدَ مِنَ الفَانِيَةِ لِلْبَاقِيَةِ، وَيَا لَسَعَادَةَ مَنْ قَدِمَ عَلَى اللهِ تَعَالَى وَقَدْ بَلَغَ دَرَجَةَ السَّابِقِينَ، وَيَا لَشَقْوَةَ مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالَى بِأَعْمَالِ الظَّالِمِينَ!
فِي يَوْمِ القِيَامَةِ حِينَ يَجِيءُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ لِفَصْلِ القَضَاءِ، وَالمَلائِكَةُ صُفُوفٌ فِي ذَلِكَ المَقَامِ العَظِيمِ، سَيُرْفَعُ أُنَاسٌ وَيُدْنَوْنَ مِنَ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ؛ كَرَامَةً لَهُمْ عَلَى سَبْقِهِمْ فِي الدُّنْيَا، تَرْقُصُ قُلُوبُهُمْ طَرَبًا مِمَّا يَرَوْنَ مِنْ سَبْقِهِمْ وَكَرَامَةِ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ، وَدُونَهُمْ فَائِزُونَ آخَرُونَ يُقَالُ لَهُمْ: أَصْحَابُ اليَمِينِ، قَدْ أَسْفَرَتْ وُجُوهُهُمْ، وَفَرِحَتْ بِالفَوْزِ قُلُوبُهُمْ، وَآخَرُونَ خَاسِرُونَ يَقِفُونَ بِوُجُوهٍ مُظْلِمَةٍ، وَحَالٍ مُحْزِنَةٍ، وَبِقُلُوبٍ قَدْ مَلَأَهَا الهَمُّ وَالغَمُّ، وَتَقَطَّعَتْ بِالحَسْرَةِ وَالنَّدَمِ، [وُجُوه يَوۡمَئِذ نَّاضِرَةٌ ٢ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَة ٢٣ وَوُجُوه يَوۡمَئِذِۢ بَاسِرَة ٢٤ تَظُنُّ أَن يُفۡعَلَ بِهَا فَاقِرَة] {القيامة: 22-25}، [وُجُوه يَوۡمَئِذ مُّسۡفِرَة ٣٨ ضَاحِكَة مُّسۡتَبۡشِرَة ٣٩ وَوُجُوه يَوۡمَئِذٍ عَلَيۡهَا غَبَرَة ٤٠ تَرۡهَقُهَا قَتَرَةٌ] {عبس: 38-41}.
أَقْسَامٌ ثَلاثَةٌ لَا رَابِعَ لَهَا، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ فِي أَحَدِهَا، وَهِيَ المَذْكُورَةُ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: [وَكُنتُمۡ أَزۡوَٰجا ثَلَٰثَة ٧ فَأَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ ٨ وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشَۡٔمَةِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشَۡٔمَةِ ٩ وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ] {الواقعة: 8-10}.
وَهُمُ المَذْكُورُونَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: [ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِم لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِد وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ
ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ] {فاطر: 32}.
فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً، وَأَكْثَرُهُمْ نَعِيمًا، وَأَحَضُّهُمْ بِالقُرْبِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، ونَيْلِ رِضْوَانِهِ، وَالفَوْزِ بِرُؤْيَتِهِ سُبْحَانَهُ - فِئَةُ السَّابِقِينَ، الَّذِينَ سَبَقُوا غَيْرَهُمْ إِلَى الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَمْضَوْا حَيَاتَهُمْ لَا يَرَوْنَ مَيْدَانًا فِيهِ رِضَا الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ إِلاَّ سَبَقُوا إِلَيْهِ، وَنَافَسُوا النَّاسَ عَلَيْهِ، وَتَرَكُوا الدُّنْيَا لِأَجْلِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى بَعْضًا مِنْ نَعِيمِهِمْ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ؛ لِإِغْرَاءِ أَهْلِ الإِيمَانِ، وَحَثِّ قُرَّاءِ القُرْآنِ عَلَى التَّنَافُسِ لِبُلُوغِ مَنْزِلَتِهِمْ، وَالاسْتِبَاقِ إِلَى أَعْمَالِهِمْ؛ [وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ ١٠ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ ١١ فِي جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ١٢ ثُلَّة مِّنَ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٣ وَقَلِيل مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ ١٤ عَلَىٰ سُرُر مَّوۡضُونَة ١٥ مُّتَّكِِٔينَ عَلَيۡهَا مُتَقَٰبِلِينَ ١٦ يَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ وِلۡدَٰن مُّخَلَّدُونَ ١٧ بِأَكۡوَاب وَأَبَارِيقَ وَكَأۡس مِّن مَّعِين ١٨ لَّا يُصَدَّعُونَ عَنۡهَا وَلَا يُنزِفُونَ ١٩ وَفَٰكِهَة مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ٢٠ وَلَحۡمِ طَيۡر مِّمَّا يَشۡتَهُونَ ٢١ وَحُورٌ عِين ٢٢ كَأَمۡثَٰلِ ٱللُّؤۡلُوِٕ ٱلۡمَكۡنُونِ ٢٣ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢٤ لَا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوا وَلَا تَأۡثِيمًا ٢٥ إِلَّا قِيلا سَلَٰما سَلَٰما] {الواقعة: 10-26}، وَلَهُمْ عَيْنُ التَّسْنِيمِ خَاصَّةً خَالِصَةً، بَيْنَمَا تُمْزَجُ لِغَيْرِهِمْ بِغَيْرِهَا؛ [وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِيمٍ ٢٧ عَيۡنا يَشۡرَبُ بِهَا ٱلۡمُقَرَّبُونَ] {المطففين: 28}.
يَعْلَمُونَ بِفَوْزِهِمْ وَبِرِضَا الرَّحْمَنِ عَنْهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِمْ؛ [فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ ٨٨ فَرَوۡح وَرَيۡحَان وَجَنَّتُ نَعِيم] {الوَاقِعَة: 88-89}، تِلْكَ بُشْرَاهُمْ، وَهَذَا مَآلُهُمْ، جَعَلَنَا اللهُ وَوَالِدِينَا وَذُرِّيَّاتِنَا مِنْهُمْ.
وَلِلسَّابِقِينَ المُقَرَّبِينَ أَوْصَافٌ مَذْكُورَةٌ فِي القُرْآنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّصِفَ بِهَا فَيَكُونَ مِنْهُمْ: [إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ خَشۡيَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ ٥٧ وَٱلَّذِينَ هُم بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ ٥٨ وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمۡ لَا يُشۡرِكُونَ ٥٩ وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ ٦٠ أُوْلَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَٰبِقُونَ] {المؤمنون: 57-61}.
وَأَمَّا القِسْمُ الثَّانِي مِنَ النَّاسِ فَيَلِي السَّابِقِينَ فِي المَنْزِلَةِ، وَهُمْ أَصْحَابُ اليَمِينِ، أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ هَذَا الوَصْفُ؛ لِأَنَّهُمْ فِي أَصْلِ الخَلْقِ كَانُوا عَنْ يَمِينِ أَبِيهِمْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وَيُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ بِأَيْمَانِهِمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلاَمَةَ فَوْزِهِمْ، وَهُمْ مَيَامِينُ مُبَارَكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَطَاعُوا رَبَّهُمْ فَدَخَلُوا الجَنَّةَ، وَاليُمْنُ هُوَ البَرَكَةُ، وَمِنْ بَرَكَتِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا دَعْوَتُهُمْ لَهُمْ إِلَى الخَيْرِ، وَنَهْيُهُمْ عَنِ الشَّرِّ، وَمِنْ بَرَكَتِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ شَفَاعَتُهُمْ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الشَّفَاعَةَ مِنْ قَرَابَتِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى جُمْلَةً مِنْ نَعِيمِهِمْ فِي الآخِرَةِ فَقَالَ تَعَالَى: [وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡيَمِينِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡيَمِينِ ٢٧ فِي سِدۡر مَّخۡضُود ٢٨ وَطَلۡح مَّنضُود ٢٩ وَظِلّ مَّمۡدُود وَمَآء مَّسۡكُوب ٣١ وَفَٰكِهَة كَثِيرَة ٣٢ لَّا مَقۡطُوعَة وَلَا مَمۡنُوعَة
٣٣ وَفُرُش مَّرۡفُوعَةٍ ٣٤ إِنَّآ أَنشَأۡنَٰهُنَّ إِنشَآء ٣٥ فَجَعَلۡنَٰهُنَّ أَبۡكَارًا
٣٦ عُرُبًا أَتۡرَابا ٣٧ لِّأَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ] {الواقعة: 27-38}.
وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ: [فَكُّ رَقَبَةٍ ١٣ أَوۡ إِطۡعَٰم فِي يَوۡم ذِي مَسۡغَبَة ١٤ يَتِيما ذَا مَقۡرَبَةٍ ١٥ أَوۡ مِسۡكِينا ذَا مَتۡرَبَة ١٦ ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ
بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ ١٧ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ] {البلد: 13-18}.
وَيَعْلَمٌونَ بِسَلامَتِهِم حَالَ احْتِضَارِهِم [وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ
ٱلۡيَمِينِ ٩٠ فَسَلَٰمٞ لَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ] {الواقعة: 90-91}.
وَأَمَّا القِسْمُ الثَّالِثُ: فَأَصْحَابُ الشِّمَالِ - أَعَاذَنَا اللهُ تَعَالَى مِنْ حَالِهِمْ وَمَآلِهِمْ - سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَنْ شِمَالِ أَبِيهِمْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فِي أَصْلِ الخَلْقِ، وَيُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ بِشَمَائِلِهِمْ، وَهُمْ شُؤْمٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَعَلَى مَنِ اقْتَرَنَ بِهِمْ فَوَافَقَهُمْ فِي أَفْعَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا النَّارَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالعَرَبُ تُسَمِّي الشِّمَالَ شُؤْمًا، كَمَا تُسَمِّي اليَمِينَ يُمْنًا، وَهُمُ المُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ مِنَ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ عَذَابِهِمْ فِي الآخِرَةِ؛ فَقَالَ تَعَالَى [وَأَصۡحَٰبُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلشِّمَالِ ٤١ فِي سَمُومٖ وَحَمِيمٖ ٤٢ وَظِلّٖ مِّن يَحۡمُومٖ ٤٣ لَّا بَارِدٖ وَلَا كَرِيمٍ] {الواقعة: 41-44}، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى كُفْرَهُمْ، وَعَاقِبَةَ كُفْرِهِمْ بِهِ سُبْحَانَهُ، فَقَالَ تَعَالَى [وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَِٔايَٰتِنَا هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشَۡٔمَةِ ١٩ عَلَيۡهِمۡ نَارٞ مُّؤۡصَدَةُۢ] {البلد: 19-20}.
وَيَعْلَمُونَ بِمَصِيرِهِمُ المَشْؤُمِ عِنْدَ مَوتِهِمْ [وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ ٩٢ فَنُزُلٞ مِّنۡ حَمِيمٖ ٩٣ وَتَصۡلِيَةُ جَحِيمٍ] {الواقعة: 92-94} وَلَيْسَ بَعْدَ هَذِهِ الأَقْسَامِ الثَّلاَثَةِ قِسْمٌ رَابِعٌ، فَقِسْمَانِ فِي الجَنَّةِ، وَقِسْمٌ فِي النَّارِ، فَلْيَخْتَرِ الإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ مَا يُرِيدُ مِنْهَا، وَلْيَعْمَلْ بِعَمَلِ أَهْلِهِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الدُّنْيَا وَأَكْدَارَهَا وَسُرْعَةَ زَوَالِهَا وَكَثْرَةَ مَوْتِ النَّاسِ فِيهَا؛ هَانَ عَلَيْهِ أَمْرُهَا، وَلَمْ يُقَدِّمْهَا عَلَى الآخِرَةِ؛ [يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ] {فاطر: 5}.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ....
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى حَقَّ التَّقْوَى، وَتَزَوَّدُوا مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يُنْجِيكُمْ فِي الأُخْرَى؛ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ قُبُورًا فِيهَا ضِيقٌ وَظُلْمَةٌ وَوَحْشَةٌ وَوَحْدَةٌ، وَإِنَّ أَمَامَكُمْ بَعْثًا وَنُشُورًا، وَوُقُوفًا طَوِيلاً، وَحِسَابًا عَسِيرًا، وَلاَ مَنْجَاةَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى؛ [وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ بِمَفَازَتِهِمۡ لَا يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوٓءُ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ] {الزُّمر: 61}.
أَيُّهَا النَّاسُ: لِلاخْتِبَارِ فِي النَّفْسِ رَهْبَتُهُ، وَلِلسُّؤَالِ عَلَى القَلْبِ وَقْعُهُ، وَلِلْجَوَابِ الصَّحِيحِ حَلاوَتُهُ، وَلِلْإِخْفَاقِ حَسْرَتُهُ، وَعَلَى قَدْرِ أَهَمِّيَّةِ الاخْتِبَارِ يَهْتَمُّ الإِنْسَانُ، وَتَتَوَتَّرُ نَفْسُهُ، وَيَضْطَرِبُ قَلْبُهُ؛ فَلَيْسَ مَنْ يُسْأَلُ فِي مُسَابَقَةٍ تَرْفِيهِيَّةٍ كَمَنْ يُخْتَبَرُ لِنَيْلِ شَهَادَةٍ مَصِيرِيَّةٍ، وَلَيْسَ مَنْ يُسَابِقُ عَلَى وَظِيفَةٍ مَضْمُونَةٍ كَمَنْ يُزَاحِمُ الأُلُوفَ عَلَى وَظِيفَةٍ شِبْهِ مَعْدُومَةٍ!
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّاسِ وَطَلَبِ مَعَاشِهِمْ، وَتَنَافُسِهِمْ عَلَى مَرَاتِبِ دُنْيَاهُمْ، فَكَيْفَ الحَالُ إِذَنْ بِامْتِحَانٍ مَنِ اجْتَازَهُ فَازَ فَوْزًا أَبَدِيًّا، وَمَنْ أَخْفَقَ فِيهِ خَسِرَ خُسْرَانًا نِهَائِيًّا، فَلَيْسَ ثَمَّةَ إِعَادَةٌ وَلاَ تَعْوِيضٌ وَلا فُرَصٌ أُخْرَى، حَيَاةٌ فِي الدُّنْيَا وَاحِدَةٌ، وَفُرْصَةٌ لِلْعَمَلِ فِيهَا وَاحِدَةٌ، وَالجَزَاءُ يَكُونُ عَلَى عَمَلِ الإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الفُرْصَةِ، وَأَيُّ جَزَاءٍ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ الجَزَاءِ، الَّذِي أَدْنَاهُ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ فِي الدُّنْيَا وَعَشَرَةِ أَضْعَافِهِ، وَأَعْلاهُ القُرْبُ مِنَ الرَّحْمَنِ فِي جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ، فَيَا لَهُ مِنْ فَوْزٍ؟!
وَكَيْفَ إِذَنْ بِامْتِحَانٍ نَتِيجَتُهُ سَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ، أَوْ شَقَاءٌ أَبَدِيٌّ، نَتِيجَتُهُ نَعِيمٌ مُقِيمٌ لاَ يَحُولُ وَلا يَزُولُ، فِيمَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، أَوْ فِي عَذَابٍ أَلِيمٍ مُهِينٍ، شَدِيدٍ لا يُخَفَّفُ، وَدِائِمٍ لاَ يَنْقَطِعُ؛ [كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ] {النساء: 56}.
ذَلِكُمْ يَا عِبَادَ اللهِ امْتِحَانُ الآخِرَةِ وَسُؤُالُهَا، وَجَزَاءُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ عَلَى أَعْمَالِ العِبَادِ فِيهَا، فَيَا لَكَيَاسَةَ مَنِ اعْتَبَرَ بِأَحْوَالِ الدُّنْيَا لِلآخِرَةِ، وَتَزَوَّدَ مِنَ الفَانِيَةِ لِلْبَاقِيَةِ، وَيَا لَسَعَادَةَ مَنْ قَدِمَ عَلَى اللهِ تَعَالَى وَقَدْ بَلَغَ دَرَجَةَ السَّابِقِينَ، وَيَا لَشَقْوَةَ مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالَى بِأَعْمَالِ الظَّالِمِينَ!
فِي يَوْمِ القِيَامَةِ حِينَ يَجِيءُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ لِفَصْلِ القَضَاءِ، وَالمَلائِكَةُ صُفُوفٌ فِي ذَلِكَ المَقَامِ العَظِيمِ، سَيُرْفَعُ أُنَاسٌ وَيُدْنَوْنَ مِنَ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ؛ كَرَامَةً لَهُمْ عَلَى سَبْقِهِمْ فِي الدُّنْيَا، تَرْقُصُ قُلُوبُهُمْ طَرَبًا مِمَّا يَرَوْنَ مِنْ سَبْقِهِمْ وَكَرَامَةِ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ، وَدُونَهُمْ فَائِزُونَ آخَرُونَ يُقَالُ لَهُمْ: أَصْحَابُ اليَمِينِ، قَدْ أَسْفَرَتْ وُجُوهُهُمْ، وَفَرِحَتْ بِالفَوْزِ قُلُوبُهُمْ، وَآخَرُونَ خَاسِرُونَ يَقِفُونَ بِوُجُوهٍ مُظْلِمَةٍ، وَحَالٍ مُحْزِنَةٍ، وَبِقُلُوبٍ قَدْ مَلَأَهَا الهَمُّ وَالغَمُّ، وَتَقَطَّعَتْ بِالحَسْرَةِ وَالنَّدَمِ، [وُجُوه يَوۡمَئِذ نَّاضِرَةٌ ٢ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَة ٢٣ وَوُجُوه يَوۡمَئِذِۢ بَاسِرَة ٢٤ تَظُنُّ أَن يُفۡعَلَ بِهَا فَاقِرَة] {القيامة: 22-25}، [وُجُوه يَوۡمَئِذ مُّسۡفِرَة ٣٨ ضَاحِكَة مُّسۡتَبۡشِرَة ٣٩ وَوُجُوه يَوۡمَئِذٍ عَلَيۡهَا غَبَرَة ٤٠ تَرۡهَقُهَا قَتَرَةٌ] {عبس: 38-41}.
أَقْسَامٌ ثَلاثَةٌ لَا رَابِعَ لَهَا، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ فِي أَحَدِهَا، وَهِيَ المَذْكُورَةُ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: [وَكُنتُمۡ أَزۡوَٰجا ثَلَٰثَة ٧ فَأَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ ٨ وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشَۡٔمَةِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشَۡٔمَةِ ٩ وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ] {الواقعة: 8-10}.
وَهُمُ المَذْكُورُونَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: [ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِم لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِد وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ
ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ] {فاطر: 32}.
فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً، وَأَكْثَرُهُمْ نَعِيمًا، وَأَحَضُّهُمْ بِالقُرْبِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، ونَيْلِ رِضْوَانِهِ، وَالفَوْزِ بِرُؤْيَتِهِ سُبْحَانَهُ - فِئَةُ السَّابِقِينَ، الَّذِينَ سَبَقُوا غَيْرَهُمْ إِلَى الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَمْضَوْا حَيَاتَهُمْ لَا يَرَوْنَ مَيْدَانًا فِيهِ رِضَا الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ إِلاَّ سَبَقُوا إِلَيْهِ، وَنَافَسُوا النَّاسَ عَلَيْهِ، وَتَرَكُوا الدُّنْيَا لِأَجْلِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى بَعْضًا مِنْ نَعِيمِهِمْ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ؛ لِإِغْرَاءِ أَهْلِ الإِيمَانِ، وَحَثِّ قُرَّاءِ القُرْآنِ عَلَى التَّنَافُسِ لِبُلُوغِ مَنْزِلَتِهِمْ، وَالاسْتِبَاقِ إِلَى أَعْمَالِهِمْ؛ [وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ ١٠ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ ١١ فِي جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ١٢ ثُلَّة مِّنَ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٣ وَقَلِيل مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ ١٤ عَلَىٰ سُرُر مَّوۡضُونَة ١٥ مُّتَّكِِٔينَ عَلَيۡهَا مُتَقَٰبِلِينَ ١٦ يَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ وِلۡدَٰن مُّخَلَّدُونَ ١٧ بِأَكۡوَاب وَأَبَارِيقَ وَكَأۡس مِّن مَّعِين ١٨ لَّا يُصَدَّعُونَ عَنۡهَا وَلَا يُنزِفُونَ ١٩ وَفَٰكِهَة مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ٢٠ وَلَحۡمِ طَيۡر مِّمَّا يَشۡتَهُونَ ٢١ وَحُورٌ عِين ٢٢ كَأَمۡثَٰلِ ٱللُّؤۡلُوِٕ ٱلۡمَكۡنُونِ ٢٣ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢٤ لَا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوا وَلَا تَأۡثِيمًا ٢٥ إِلَّا قِيلا سَلَٰما سَلَٰما] {الواقعة: 10-26}، وَلَهُمْ عَيْنُ التَّسْنِيمِ خَاصَّةً خَالِصَةً، بَيْنَمَا تُمْزَجُ لِغَيْرِهِمْ بِغَيْرِهَا؛ [وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِيمٍ ٢٧ عَيۡنا يَشۡرَبُ بِهَا ٱلۡمُقَرَّبُونَ] {المطففين: 28}.
يَعْلَمُونَ بِفَوْزِهِمْ وَبِرِضَا الرَّحْمَنِ عَنْهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِمْ؛ [فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ ٨٨ فَرَوۡح وَرَيۡحَان وَجَنَّتُ نَعِيم] {الوَاقِعَة: 88-89}، تِلْكَ بُشْرَاهُمْ، وَهَذَا مَآلُهُمْ، جَعَلَنَا اللهُ وَوَالِدِينَا وَذُرِّيَّاتِنَا مِنْهُمْ.
وَلِلسَّابِقِينَ المُقَرَّبِينَ أَوْصَافٌ مَذْكُورَةٌ فِي القُرْآنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّصِفَ بِهَا فَيَكُونَ مِنْهُمْ: [إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ خَشۡيَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ ٥٧ وَٱلَّذِينَ هُم بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ ٥٨ وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمۡ لَا يُشۡرِكُونَ ٥٩ وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ ٦٠ أُوْلَٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَٰبِقُونَ] {المؤمنون: 57-61}.
وَأَمَّا القِسْمُ الثَّانِي مِنَ النَّاسِ فَيَلِي السَّابِقِينَ فِي المَنْزِلَةِ، وَهُمْ أَصْحَابُ اليَمِينِ، أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ هَذَا الوَصْفُ؛ لِأَنَّهُمْ فِي أَصْلِ الخَلْقِ كَانُوا عَنْ يَمِينِ أَبِيهِمْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وَيُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ بِأَيْمَانِهِمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلاَمَةَ فَوْزِهِمْ، وَهُمْ مَيَامِينُ مُبَارَكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَطَاعُوا رَبَّهُمْ فَدَخَلُوا الجَنَّةَ، وَاليُمْنُ هُوَ البَرَكَةُ، وَمِنْ بَرَكَتِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا دَعْوَتُهُمْ لَهُمْ إِلَى الخَيْرِ، وَنَهْيُهُمْ عَنِ الشَّرِّ، وَمِنْ بَرَكَتِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ شَفَاعَتُهُمْ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الشَّفَاعَةَ مِنْ قَرَابَتِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى جُمْلَةً مِنْ نَعِيمِهِمْ فِي الآخِرَةِ فَقَالَ تَعَالَى: [وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡيَمِينِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡيَمِينِ ٢٧ فِي سِدۡر مَّخۡضُود ٢٨ وَطَلۡح مَّنضُود ٢٩ وَظِلّ مَّمۡدُود وَمَآء مَّسۡكُوب ٣١ وَفَٰكِهَة كَثِيرَة ٣٢ لَّا مَقۡطُوعَة وَلَا مَمۡنُوعَة
٣٣ وَفُرُش مَّرۡفُوعَةٍ ٣٤ إِنَّآ أَنشَأۡنَٰهُنَّ إِنشَآء ٣٥ فَجَعَلۡنَٰهُنَّ أَبۡكَارًا
٣٦ عُرُبًا أَتۡرَابا ٣٧ لِّأَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ] {الواقعة: 27-38}.
وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ: [فَكُّ رَقَبَةٍ ١٣ أَوۡ إِطۡعَٰم فِي يَوۡم ذِي مَسۡغَبَة ١٤ يَتِيما ذَا مَقۡرَبَةٍ ١٥ أَوۡ مِسۡكِينا ذَا مَتۡرَبَة ١٦ ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ
بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ ١٧ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ] {البلد: 13-18}.
وَيَعْلَمٌونَ بِسَلامَتِهِم حَالَ احْتِضَارِهِم [وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ
ٱلۡيَمِينِ ٩٠ فَسَلَٰمٞ لَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ] {الواقعة: 90-91}.
وَأَمَّا القِسْمُ الثَّالِثُ: فَأَصْحَابُ الشِّمَالِ - أَعَاذَنَا اللهُ تَعَالَى مِنْ حَالِهِمْ وَمَآلِهِمْ - سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَنْ شِمَالِ أَبِيهِمْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فِي أَصْلِ الخَلْقِ، وَيُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ بِشَمَائِلِهِمْ، وَهُمْ شُؤْمٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَعَلَى مَنِ اقْتَرَنَ بِهِمْ فَوَافَقَهُمْ فِي أَفْعَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا النَّارَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالعَرَبُ تُسَمِّي الشِّمَالَ شُؤْمًا، كَمَا تُسَمِّي اليَمِينَ يُمْنًا، وَهُمُ المُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ مِنَ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ عَذَابِهِمْ فِي الآخِرَةِ؛ فَقَالَ تَعَالَى [وَأَصۡحَٰبُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلشِّمَالِ ٤١ فِي سَمُومٖ وَحَمِيمٖ ٤٢ وَظِلّٖ مِّن يَحۡمُومٖ ٤٣ لَّا بَارِدٖ وَلَا كَرِيمٍ] {الواقعة: 41-44}، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى كُفْرَهُمْ، وَعَاقِبَةَ كُفْرِهِمْ بِهِ سُبْحَانَهُ، فَقَالَ تَعَالَى [وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَِٔايَٰتِنَا هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشَۡٔمَةِ ١٩ عَلَيۡهِمۡ نَارٞ مُّؤۡصَدَةُۢ] {البلد: 19-20}.
وَيَعْلَمُونَ بِمَصِيرِهِمُ المَشْؤُمِ عِنْدَ مَوتِهِمْ [وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ ٩٢ فَنُزُلٞ مِّنۡ حَمِيمٖ ٩٣ وَتَصۡلِيَةُ جَحِيمٍ] {الواقعة: 92-94} وَلَيْسَ بَعْدَ هَذِهِ الأَقْسَامِ الثَّلاَثَةِ قِسْمٌ رَابِعٌ، فَقِسْمَانِ فِي الجَنَّةِ، وَقِسْمٌ فِي النَّارِ، فَلْيَخْتَرِ الإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ مَا يُرِيدُ مِنْهَا، وَلْيَعْمَلْ بِعَمَلِ أَهْلِهِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الدُّنْيَا وَأَكْدَارَهَا وَسُرْعَةَ زَوَالِهَا وَكَثْرَةَ مَوْتِ النَّاسِ فِيهَا؛ هَانَ عَلَيْهِ أَمْرُهَا، وَلَمْ يُقَدِّمْهَا عَلَى الآخِرَةِ؛ [يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ] {فاطر: 5}.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ....
الأربعاء أكتوبر 07 2015, 11:28 من طرف مهاجي30
» الفرض الاول علمي في مادة الأدب العربي
السبت نوفمبر 22 2014, 14:57 من طرف slim2011
» الفرض الاول ادب عربي شعبة ادب و فلسفة
السبت أكتوبر 18 2014, 06:35 من طرف عبد الحفيظ10
» دروس الاعلام الآلي كاملة
الثلاثاء سبتمبر 23 2014, 09:24 من طرف mohamed.ben
» دروس في الهندسة الميكانيكية
الخميس سبتمبر 18 2014, 04:37 من طرف nabil64
» وثائق هامة في مادة الفيزياء
الأربعاء سبتمبر 10 2014, 21:12 من طرف sabah
» طلب مساعدة من سيادتكم الرجاء الدخول
الجمعة سبتمبر 05 2014, 19:57 من طرف amina
» مذكرات الأدب العربي شعبة آداب و فلسفة نهائي
الجمعة سبتمبر 05 2014, 19:53 من طرف amina
» مذكراث السنة الثالثة ثانوي للغة العربية شعبة ادب
الثلاثاء أغسطس 19 2014, 07:29 من طرف walid saad saoud
» les fiches de 3 as* projet I**
الجمعة يوليو 11 2014, 11:51 من طرف belaid11